بعد أن صعدتُ على متن الطائرة المتجهة إلى باريس كان رقم مقعدي B1 بجانب النافذة
جلس شاب اسمر البشرة في المقعد المجاور لي فوراً B2
أشارت المضيفة أن نضع الأحزمة حالاً من أجل السلامة في الإقلاع أنا بطبعي لا أحب حزام الأمان ولا أؤمن بفعاليته
اذ لم يصدف لي أن سمعت أن أحدهم انقذه هذا الحزام اللعين من بعد وقوع الطائرة !
بعد أن وضع حزامه ذلك الشاب أشار إلي أن أضع الحزام فوراً ،
ضحكت وقلت له لا أريد وضعه هل تظن أن هذا الحزام هو الذي سينقذك عند وقوع الطائرة ،
ستموت أيها الرجل وأنا لن يكلفني هذا الحزام مشقة وضعه لأن لا فائدة له بنظري و هناك متعة لا تعرفها بعدم وضعه.
ابتسم باستغراب ماذا تقصدي : ما هذه الأفكار لقد أخفتني حقا يبدو أنكِ ذات خيال رائع رأيك غريب جداً
حسنا أنتِ تريدي أن تستمتعي برحلتك وموتك من دون حزام اذا ثم كلانا سنموت بحزام او بدون صح اهكذا تقصدي !؟
كان يبدو عليه الإرتباك اذ كان يبحث عن أي سبب للحديث معي يحاول أن ينظر إلي بين الحين والآخر ،
بينما كنت غارقة في قراءة قصة شريرة تعتلي ملامحي ضحكة عفوية على الكلام المكتوب بعد كل سطر أقرأه!
وهو غارق في مراقبة ملامحي بترقب وصمت وفضول كبير !
و عندما يراني ابتسم للكتاب يبتسم لاشعوريا ويقترب بحذر ليرى النص الذي يضحكني الى هذا الحد ،
لكني كلما اقترب كنت ابعد الكتاب واقوم بإغلاقه وتتملكه ضحكه عالية الصوت
فأقول له : (يا هذا اصمت الناس ينظرون الينا)
يالتني هذا الكتاب الذي تنظرين إليه وتبتسمين له أعطني من فضلك جزءاً من وقتك الثمين مثله
ومن فضوله أخذ يسالني أسئلة تبدو غبية جدا ومثيرة للضحك كان المهم عنده هو فتح حديث معي أين يكن !
إقرأ أيضا: قصة عجيبة ولكنها حقيقية
فقال : هل أنت مسافرة أيضا إلى باريس مثلي إني أحبها جداً وأفضلها عن غيرها من البلدان ؟!
ماذا ؟! هههه واشرت له على نافذة الطائرة وأنا غارقة بموجة ضحك من سؤاله حتى إني لم استطع الرد عليه مما اصابني ذابت كلماتي بسؤاله الغبي نوعا ما !
نظر إلي وقال ماذا تقصدي ما بها النافذة يا شقية ؟
فأجبته : لا سيقوموا بفتح هذه النافذة الصغيرة ويحشروني منها الى أن اسقط وأصل قبلك أحد البلدان على الخريطة ما رأيك ؟
نعم أكيد إني مسافرة باريس وأنتَ !؟
نعم كنت أعلم أنكِ مسافرة معي وسنصل معا إلا اذا وقعت الطائرة يا مجنونة صاحبة الأفكار الغريبة لكن أردت أن أهز الورد لتفوح رائحته.
ماذا قصدتَ من كلامك المعسول ثم انا لستُ بوردة!
هههه لا عليكِ أنت شوكة اذا هكذا أفضل ما رايكِ ، أنتِ فتاة غريبة الأطوار تعترضي على كل شيء.
ساد بيننا بعدها صمت غريب هو يسترق النظرات وانا عاودت القراءة ، واذا به يتنحنح يريد أن يقول شيء
مررا يده أمام وجهي علني انتبه لأني اضع سماعة الاذن
اغلقت الكتاب ها ماذا عندكَ الآن !؟
هل لي بالحديث معكِ قليلاً ؟!
لكنكَ كنت تتحدث قبل قليل ماذا استجد لديك حسنا تفضل.
فسترسل بالكلام وتحدثنا كثيرا وأخذ يسألني عن تفاصيل ك عمري ودراستي ولوني المفضل عندي وما أحبه من الفاكهة
وانا اجيبه باشياء لا تمت الى عمري والأشياء التي أراد مني الاجابة عليها بصلة بصيغة اللغز والالتفاف والغموض المبهم بشيء من الخفة والعفوية والبساطة
إقرأ أيضا: أعرف زوجة يحبها زوجها حبا تحسد عليه
وكانت اجابتي : عمري هو خمسمئة سنة ضوئية من الكتب وادرس شيء يخص تشريح الناس في غرف العمليات
لوني المفضل ذلك الذي يشبه قرابة الليل عندما يحل المساء واحب من الفاكهة ذلك الذي عندما نقطعه يبكينا ، بصل.
ارجع رأسه على الكرسي مبتسما ونظر الي : ما هذا الذي تقوليه كله ،
كان يبتلع ريقه ويضحك انتِ مصرة على ايخافي منكِ وتثيري الفضول لدي باكتشافكِ وبصوتٍ خافت لما سمعه كان يتمتم .
(الله يمضي هالرحلة على خير)
مابكَ تحدث نفسكَ !؟
لا اصابتني الدهشة من أفكارك وطريقتك الغامضة بالكلام بكل شيء أظنك انثى قوية جدا وشيقة الشخصية ولطيفة وتمتلكِ دهاء !
وبلطف قلت له :وأين تكمن قوتي ودهائي يا ترى ماذا رأيت بشخصيتي !؟
فيكِ من اللين والبشاشة ما يأكل القلب بصمتِ
وفيكِ من الغموض والقوة ما يثير في النفس الشكوك والحيرة والخوف أيضاً ، أجوبتك ذكية جدا ههه!
وماذا عنكَ حدثني عن نفسكَ عمرك وعملك وكذا ؟!
استدار بوجهه الي واقترب ومسك الكتاب من يدي وضعه بحضنه وقال :
عمري هو خمس ساعات من الآن أي بعد ركوب الطائرة الذي يمكن أن يذهب هباء اذا وقعت بسبب أفكاركِ المجنونة
وادرس البحث والتفسير في علم يخص سيكولوجيا المرأة الذي أظن يا شقية أني لن أنجح به ،
لأن المرأة القارئة هي أكبر كتاب غامض مثير للإكتشاف و كل الكتب لا تعرف ما يجوب بعقلها ولن تقدر على فهما مهما قرات وتعلمت
إقرأ أيضا: أحد الملوك زوج ولده ثلاث مرات
مثلك تماما ، وانت تقرأين الكتاب الأن اذ كنت تشطاطي سماً وتزدادي جمالاً بعفويتك التي أوقعت قلبي.
ولوني المفضل هو الذي يشبه لون القمر الذي غزا الطائرة اليوم كبياض وجهكِ و أطيب فاكهة حلوة تنزل على الروح بلطف هي ضحكتك تلك فلا حلاوة تضاهيها عندي بعد الأن
ثم اني ادركت انكِ على حق من اجل السلامة
لابد أنه كان يجب أن أرتدي حزام الأمان على قلبي قبل جسدي .
انتابني الخجل والإرتباك من كل ما قال يا الهي كل ذلك حدث معك منذ بداية الرحلة فقط ههه ، أيها المولود الحديث!
اتعلمي : أنه لوقوع رائع جدا وميتة هنية ، فقد مت بكِ
و لكن إياكِ أن تحشريني من نافذة قلبكِ دعيني به ؟!
وبضحكة شقية قلت له : دعكَ من هذا الكلام المعسول الأن بنكهة البصل الطائرة على وشك الهبوط ضع حزامك المعتاد عليه حتى لا تقع !
أيتها الشقيّة : لسنا بحاجة حزام أمان بعد الأن الوقوع جميل جدا يا صغيرتي
وقام بفك حزام الأمان في تلك اللحظة التي بدأت بها الطائرة بالهبوط والمضيفة توحي بالإشارة على الركاب بربط أحزمة الأمان فورا
ثم اطفأت الطائرة الأنوار تحضيرا لنزولها في باريس
واغمض عينياه ، الى أن حطت بنا على مدرج المطار
فقلت له : لقد وصلنا هيا انهض من حلمك الأن
باريس ترحب بك أيها المغامر
وأجاب : اظن أن كل الركاب وصلوا بالسلامة إلا أنا ، إني وقعت في حُبكِ قبل باريس ببرهة بسبب ضحكتكِ هناك
ومت بكِ وانتهيت في السماء في مكان التقائي الأول بكِ ،
بسبب عدم وضع حزام الأمان على روحي منكِ أيتها القارئة الغامضة ما حاجتي الأن بباريس ؟!
وقد غزوت القمر.