بعد علاقة حب تعدت الخمس سنوات
طالبته بالإنفصال ، ليس لأنني مللت
أو وجدت قلبا بديلا ،
إنما حديثُ تلك المرأة ظل يخترِقُ صدري.
كُنتُ أجلسُ على أحدِ المقاعد أنتظر متى يحينُ موعد إقلاع طائرتي المتوجهة إلى اليمن ،
لأني كنت قد سافرت إلى القاهرة في رحلةِ عمل إستمرت لمدة شهر ، حينها جلست بجانبي إمرأة في منتصفِ الأربعينات ،
بعد أن ألقت عليّ السلام ورددتُ عليها ، وردني إتصال من الشاب الذي كنت على علاقة به ،
أجبت وتحدثنا أمامها ، في ذلك الوقت كان لدي إعتقاد أعمى ، بأن علاقات الحب يجب ألّا تخبئ أو يُخجَل منها ،
فأخذتُ أتحدث معه عن إشتياقي له وأنه تبقى ثلاثةُ أيام على ذكرى إرتباطنا ، وما إلى ذلك.
بعد أن إنتهينا وأغلقتُ الهاتف نظرتُ إليها وابتسامة عريضة تحتل نصف وجهي ، وهي بدورها بادلتني الإبتسام قائلةً :
اللهم بارك ، يبدو أنكِ تُحبين زوجك كثيرا ، ضحكت بخفة وأخبرتها بأنه ليس زوجي ، قالت: إذن خطيبك؟
اممم لا ولا خطيبي ، حبيبي.
أومأت برأسها وصمتَت لبرهة ثم قالت : لِمَ لا تتزوّجان؟
لم أجد ردّاً ، فعلاً لم لا يأت لخطبتي؟
ما غلذي يمنعه!
قطعت شرودي وهي تضع يدها الباردة فوق يدي بحنان وتقولز:
يا بُنيّتي ، هذا الدين أسمَى من أن يحمل في شريعته علاقات من تحتِ الطاولة
نظرتُ إليها باستنكار وقلت :
إقرأ أيضا: يحكى أنه كان هنالك إمرأة عجوز لديها جرتان كبيرتان
لكن حبنا ليس من تحت الطاولة! الكل على درايةٍ به.
إبتَسمَت بوقار ثم أردفَت قائلة : أيُّ علاقة بين رجل إمرأة لا يوجد بها عقداً شرعياً ، تُعَدُّ نَكِرة وغير معترف بها ،
حتى لو صعدنا إلى أعلى قمة جبلية وصرخنا معلنين بها ،
هذا القلب الذي بداخل صدرِك ، إذا لم تُحسني ترويضه سيدهسكِ فيما بعد ، حفاظك عليه يعني حفاظُكِ على حياة بأكملها ودين بأكملِه.
همَّت بالنهوض قبل أن أرُد عليها
وذاب ظلها بين ظلال الزحام .
عدتُ إلى اليمن ومنذ ذلك اليوم وكلامها يتردد في رأسي مثل صدى ، يلاحقني حتى في المنامات ،
ذات ليلة وأنا أصارع أفكاري وقعت عيني على الساعة ، كانت تُشير إلى الثانية والنِصف صباحًا ،
تبادر إلى ذهني أن أقوم الليل بركعتين ، أطلب فيهن من الله أن يرتبني ويوجه أقدامي نحو المسار الصحيح ،
ما إن سجدتُ حتى انفجرتُ باكية ، لم أنطُق بشيء سوى التناهيد ، بعدها بدأتُ بالتوسل كنت أردد :
يا رب أرجوك ثبّتني ، قوِّني على نفسي
إنزع من قلبي هذا التعلُّق ، وأمضيت الليل كله بالبكاءِ والتوسُّلات ،
في الصباحِ التالي حين فتحتُ هاتفي وجدتُ رسائل كثيرة منه معظمها كانت تنم عن قلقه علي لأنني لم أقُم بالرد على إتصالاته ،
قبل أن يتصل للمرة الأخيرة عزمتُ على أن أخبره بأن هذه العلاقة أما أن تُكلل بالزواج ، أو تقلع من جذورها وتُنسى.
واتصل وحين قمتُ بالرد إستقبلني صوتهُ القَلِق ، وأخذ ينهمر علي بالأسئلة ، ماذا حدث ، أين كُنتِ ، لم إستغرقتِ وقتاً لتُجيبي.
تجاهلتُ كل هذا وأخبرته مباشرة : نحنُ كنا نعيش على خطأ ، ولم يقُم أحدٌ بتنبيهنا ،
قال مستغرباً : أيُّ خطأ ؟
هذهِ العلاقة .
لِم! هل أذيتُكِ ، هل رأيتِ مني شيئاً سيئاً أم انكِ أحببتِ شخصاً آخر؟
لم يحدث شيء مما قُلته ، إنما أدركتُ مؤخراً أن العلاقات التي تكون خارجة عن إطارِ الزواج تبقى كذبة ، وكذبة سامّة تُدسُّ في قلوبنا.
لكننا لا نفعلُ شيئاً خاطِئاً !
إقرأ أيضا: أنثر الحب
الحب الذي لم يُكلّل بعقد شرعيّ ، سيبقى حراماً ، حتى وإن كانَ الطرفين يلتزمانِ الحدود.
الكرة في ملعبك الآن ، إما أن تأتِ من حيث أمرك الله ، أو ندفن الذي بيننا هُنا ونمضي كل في طريقه.
انتظرُ جوابك.
حسناً ننفصل ، أنتِ أردتِ هذا.
لم أعطي ردة فعل وأغلقتُ الخط مباشرة
جلستُ على السرير بقلة حيلة ، أشعر بأن أحدهم حقن روحي بشعور بشع ،
بكيتُ كثيراً تلك الفترة ، لكنني كنت أواسي نفسي بأن الأشياء التي نتركها لله ، يعيدها الله إلينا بطريقة أفضل ، أو يعوضنا عنها.
أغلقتُ كل الأبواب الشيطانية في وجهه ، وضلّ باب الدُعاء مشرعاً.
مرت سنتين وأنا لا زلت أحاول تجاوزه ، والرضا بالقدر ، وكلما خطرَ على بالي أُردِّد : أرضِني يا رب.
أصلحتُ العلاقة التي بيني وبين الله في تلك الفترة ، تقربتُ منه بكل الطاعات ، تارةً كنت أدعوه بأن يُنسيني إياه ، وتارةً يغلبني قلبي وأدعو بأن يُرد إلي ردّاً جميلا.
ذات يوم وانا منهمكة في قراءةِ الكتاب الذي بين يدي جاءت والدتي وجلست أمامي وابتسمت ،
وضعت الكتاب من يدي ، ونظرتُ إليها ثم قلت:
ماذا!
عريسٌ جديد أليس كذلك؟
ضحكت بقوة قائلةً : أصبحتِ لبيبة في قراءةِ الأفكار
هذا لأنكِ لا تحدقين بي بصمت وعلى شفتيك إبتسامة عريضة ، إلا حينما يكون هناك عريس ، عموماً لا زلتُ صغيرة على الزواج ، سيكون مصيره كالبقية
ماذا لو لم يكن مصيره كالبقية!
وما المعجزة التي ستحدُث وتجعلني أوافق!
إقتربت مني وهمست إسمه في أُذني ، نعم كانَ هو تجمدتُ لخمس دقائق ، دخلتُ في حالةِ من اللاتصديق ،
ثم قفزت من مكاني ووقفت أمامها وقلت بغصة:
ها هو بحد ذاته؟
إقرأ أيضا: الليلة الأخيرة
نعم هو بشحمه ولحمه ، فكري وأخبريني
غداً آخر موعد ،
غادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها.
حينها خررتُ ساجدة والبكاءُ يغلف صوتي ، كانت كلمة ” اللهم لك الحمد ” تتصاعدُ من فمي وتنتشر في أرجاء المكان ،
ظللتُ أتقلب في الفراش تلك الليلة كانت مشاعري في فوضى عارمة ما بين دهشة الإستجابة ، والإمتنان والفرح الممزوج بالربكة.
في الصباحِ التالي بعد ما حسمتُ موقفي ، تشجعت وأعلنتُ الموافقة ، تم تحديد عقد القرآن بعدها بأسبوع
وتم العقد على خير ، وجاءت لحظةُ الجلوس معه على إنفراد ، في اللحظة التي رآني فيها أمامه ،
إنتفض بدهشة والدموع تتجمع في محجريه
ما إن تركنا الجميع لوحدنا ، حتى همّ بمعانقتي وانفجر باكياً ،
كُنتُ أطبطب على ظهره بهدوء والدموع تتفجر من قلبي قبل عيني ، لكني لم أفهم لم كان يبكي!
وهو الذي حين خيرته بين الإنفصال للأبد أو الإرتباط للأبد إختار الإنفصال وغادرني بكل برود!
قطع شرودي حين إبتعد عني قليلاً ونظر في عيني قائلاً : بِمَ كُنتِ تَدعين؟
بأن يردك الله إلي رداً جميلاً.
هاقد إستجاب ، وجرني إليكِ من ياقةِ قلبي
أخبرني ما الذي حدث!
أمسك بكلتا يدي وجلس أمامي وقال : بعد إنفصالنا كنت أُلقي اللوم عليكِ ، كنت ضالاً حينها ،
حسمتُ الأمر وقررتُ الزواج لأغاظتِك ، وفي كل مرة أذهب لخطبةِ إحداهن تومضينَ في بالي ،
وأختنِق فجأة ، تكرَّر هذا الأمر كثيراً
إلى أن سئمت وعدلتُ عن قرار الزواج حتى أتعافى منكِ تماماً ،
بعد عام ذهبتُ مرة أخرى لخطبة إحداهن
وكالعادة ، تبادرتِ إلى ذهني وضاقت علي الأرض بما رحبت ، غادرتُ المكان بسرعة كالمجانين ،
واعتذرتُ لهم فيما بعد ، لوهلة شككتُ بأني مسحور أو مصابٌ بعينٍ ما ،
قررتُ أن استخير الله فيكِ ،
وبعد أن إستخرت ، كل العُقَد حُلّت
وكل المسافات التي تفصلني عنكِ تقلصت
ووجدتُني بعد يومين
جاثياً على قلبي أمام بابكِ.
“وتزوّجنا أخيراً ،
وكما قال السيد مريد عن السيدة رضوى : ضحكتُها صارت بيتي.