بقرة اليتامى
بقرة اليتامى
حكاية بقرة اليتامى قصة من الثراث الجزائري القديم
كان في قديم الزمان رجل توفيت زوجته وتركت معه ولدين ، ولد و بنت ،
فتزوج من إمرأة أخرى وهذه المرأة لها ولدين أيضا.
ولكن هذه المرأة كانت سيئة الخلق وشريرة ولا تحب ولدي زوجها ، ولا تعطيهما طعاما وتعطي لولديها فقط.
وكان لهذا الرجل وولديه بقرة ، كانت هي الشيء الوحيد الذي يملكونه كقوت يومهم
فهم يقتاتون من حليبها.
وكانت هذه البقرة تسمح فقط لولدي الرجل أن يحلبا منها الحليب ،
بينما كانت ترفض ولدي تلك المرأة ، وتثور لمجرد إقترابهما منها.
إستاءت المرأة من هذا الأمر كثيرا فقررت التخلص من البقرة ، لكن زوجها رفض بشدة ،
ولكنها بعد إلحاح شديد إستطاعت أن تؤثر فيه ، فوافق.
في يوم من الأيام أخذ هذا الرجل البقرة إلى السوق ليبيعها ، ولكنه كان مستاءا من هذا الفعل ،
ولما وصل إلى السوق بدأ يصيح قائلا : من يشتري بقرة اليتامى ، لن يرى الخير في حياته أبدا.
ويردد ويعيد كلامه إلى آخر النهار ، فعاد إلى البيت يجرها وراءه وهو سعيد ولكنه لا يبدي سعادته أمام زوجته.
فيقول لها : لم يقترب أحدا مني ليشتريها
ويعود في اليوم التالي ويكرر نفس الكلام ويعود مساءا جارا وراءه البقرة.
إحتارت زوجته من هذا الأمر فقررت أن تتبعه إلى السوق وتراقبه.
في اليوم التالي خرج الرجل مع بقرته وتبعته زوجته متنكرة في زي رجل ،
وبدأت تراقبه من بعيد وهو يصيح : من يشتري بقرة اليتامى لن يرى الخير في حياته.
فاقتربت منه لأنها رأت رجلا يريد شراءها ولكنه ما إن سمع هذا الكلام أعرض عن شراءها.
فتحدثت قائلة : بل سترى كل الخير يا أخي إشتريها.
فاشتراها الرجل وكانت خطتها ناجحة للأسف ، وعادت مسرعة إلى البيت
عاد زوجها إلى البيت وهو حزين ويفكر في أولاده وكيف سيعيشون وماذا سيكون طعامهم بعد اليوم.
إقرأ أيضا: مقر القسيس بورغفاتنت المسكون
فحدثت معجزة حيث نبتت من قبر والدتهما نخلة بها تمر ناضج ،
وكان الولدين يذهبان كل يوم إلى قبر والدتهما ليأكلان من هذا التمر ، ويعودان مساءا و لا يبدو عليهما الجوع أبدا.
فاحتارت زوجة أبيهما من هذا فطلبت من ولديها أن يراقباهما ، ولما عرفت بأمر النخلة حرضت ولديها على أن يأكلا معهما ،
لكن حدث أمر عجيب.
فقد كانت هذه النخلة ترتفع عاليا عند إقتراب ولدي المرأة منها وتهبط متذللة لولدي الرجل.
فلما عرفت المرأة ذلت غضبت غضبا شديدا طلبت من زوجها أن يقطعها ،
وكان هذا الرجل ذا شخصية ضعيفة ويفعل ما تأمره به ،
فقطعها ولكن النخلة نبتت من جديد وما زال الولدين يأكلان منها ، والرجل يقطعها وهي تنبت من جديد.
فاقتلعها من جذورها فلم تنبت ، لكن معجزة أخرى حدثت.
ترى ما هي؟
ذات يوم ذهب الولدان إلى قبر أمهما ليتناولا الطعام كعادتهما فلم يجدا النخلة ، ولكنهما وجدا شيءا آخر ز
إنه ضرع يخرج منه الحليب ،وكان ذلك غذائهما كل يوم.
وبما أنهما يعودان مساءا إلى البيت ولا يبدو عليهما الجوع أيضا ،
تساءلت هذه المرأة عن السبب فذهبت إلى القبر ذات يوم ورأت الولدين وهم يأخذون ما يشاءون من هذا الضرع العجيب.
و إذا اقترب ولديها كان الضرع يختفي.
ولم تهدأ حتى صبت كمية كبيرة من الإسمنت على القبر لمنع ظهور الضرع مرة أخرى.
فنجحت أيضا للأسف ، وبعد مرور أيام فكرت هذه المرأة بالتخلص من الولدين ،
و بما أنها تعرف ضعف زوجها طلبت منه أن يأخذهما إلى الغابة ويتركهما هناك ويعود لكي تتخلص منهما.
نفذ هذا الرجل الضعيف أوامر زوجته وأخذ ولديه إلى الغابة ،
ولما إقتربت الشمس من المغيب طلب منهما أن ينتظراه لحظة متحججا بأنه سيحتطب ويعود لأخذهما.
إقرأ أيضا: قصة الفيل الذي إنتقم أشد إنتقام من القطار
وبدأ يمشي و يبتعد و يضرب الأشجار بالفأس وكأنه فعلا يحتطب ، إلى أن اختفى.
بقي الولدان في الغابة ينتظران عودة والدهما ولكن دون جدوى ، فقررا أن يبحثا عن مكان يؤيهما ،
أما الوالد فقد عاد إلى البيت بمفرده إرضاءا لزوجته.
بقي الولدين يسيران في الغابة ويبحثان عن مكان يختبآن فيه ، فاختبآ فوق الشجرة حتى أشرق الصبح.
في اليوم التالي أكملا مسيرتهما وهما لا يعرفان ما هو مصيرهما ، فحدث ما لم تتوقعه الفتاة.
أحس الولد بالعطش فطلب من أخته أن تجد له ماءا ، وبعد بحث طويل وجدا عين ماء فشرب الولد ،
وكانت المفاجأة أنه تحول في لمح البصر إلى خروف.
إنها عين ليست عادية
يا إلهي ، ماذا ستفعل الفتاة الآن؟
لم تجد الفتاة حلا لأخيها الخروف ، فما كان لها إلا أن تنزع حزامها وتربطه وتجره وراءها بحثا عن مأوى.
بقيت الفتاة على هذا الحال لا تدري ما هو مصيرها.
وذات يوم إلتقت برجل صالح ، كانت جالسة تبكي بمرارة لما حدث معها.
فسألها عن السبب ، فقصت عليه قصتها
فتأثر لحالها وقرر أن يأويها هي وأخوها طالبا منها الزواج ليعيشا في الحلال.
فوافقت شرط أن لا يخونها في أخيها وأن لا يذبحه أبدا ، فاتفقا على ذلك.
ذهبت الفتاة مع هذا الرجل إلى بيته فإذا به أميرا غنيا وله من الثروات ما لم تكن تتوقعه.
فعاشت مع زوجها وأخيها حياة سعيدة وهي راضية وتحمد الله على ما رزقها.
وفي يوم من الأيام سمعت شخصا ينادي في الخارج ، إنه رجل متسول.
فخرجت لتعطي له شيئا من الصدقة فإذا بها تتعرف إليه ، إنه والدها.
لقد أصبح شيخا كبيرا ضعيف البدن فقيرا لا يملك إلا ما عليه من ثياب رثة ،
إقرأ أيضا: الحب وحده لا يكفي
لكنها فضلت السكوت على أن تعرفه بنفسها
فطلبت منه الإنتظار قليلا ،
وذهبت مسرعة ، خبزت خبزا ووضعت بداخله كمية كبيرة من المجوهرات ،
وبعد أن نضج الخبز أسرعت إليه وأعطته إياه دون أن يتعرف إليها لأن بصره كان ضعيفا.
ولما ذهب هذا الرجل إلى بيته ، فتحت زوجته الصرة التي يضع فيها الصدقات لترى ماذا أحضر من تسوله ،
فإذا بها تجد خبزا مليئا بالمجوهرات.
بُهتت هذه المرأة مما رأته فذهبت إليه مسرعة تسأله ، وهي متأكدة أن هذا الأمر من ابنته.
فطلبت منه أن يتذكر جيدا البيت الذي أحضر منه هذا الخبز وهي تتحجج بأنها تريد إسترجاع الولدين و أنها نادمة ،
وأنها تريد زيارتهما و طلب العفو منهما.
فتذكر هذا الرجل المكان ، وكانت المرأة قد إتفقت مع ابنتها على مكيدة توقع بها الفتاة المسكينة.
فلما ذهبوا إلى بيت الفتاة ، وصلوا إلى البيت ودخلوا وها هم يسلمون عليها وكأن شيئا لم يكن.
رحبت بهم الفتاة وهي تعتقد أن ما حدث قد مضى وانتهى ، وأنهم جاءوا إليها بنية حسنة.
فأعطت لهم الثقة الكاملة وتصرفوا وكأنهم في بيتهم.
و قصت عليهم قصتها كاملة منذ أن تركها والدها في الغابة هي وأخوها.
و أخبرتهم بأن هذا الخروف هو أخوها ، وقصت عليهم ما حدث معه.
طلبت ابنة تلك المرأة من الفتاة أن يجلسا قليلا أمام البئر ليتبادلا أطراف الحديث ،
فاستغفلتها ودفعتها وأسقطتها في البئر وهربت مسرعة ولبست ثياب الفتاة و وضعت كحلا في عينيها ،
وتظاهرت أمام الأمير بأنها زوجته.
إقرأ أيضا: كنت أتمشى بجانب الطريق السيار وإذا بي أرمق جنازة
عاد الشيخ الكبير وزوجته الماكرة إلى البيت أما ابنتها فبقيت تواصل مكيدتها.
نظر الأمير إليها وهو يتساءل لما تغير شكلها ؟
فسألها فقالت : إنه ماء بلدتكم جعلني سمراء اللون.
فسألها عن حول عينيها فقالت : إنه كحل بلدتكم جعلني حولاء.
فصدقها وأكمل حياته معها معتقدا أنها زوجته.
وذات يوم طلبت منه ذبح الخروف والتخلص منه لأنه يزعجها ،
فلما سمع الخروف ذلك إشتد خوفه فذهب إلى البئر يشكو لأخته ،
وكأن أخته فهمت ما يريد قوله لكنها لا تستطيع شيئا فقالت له : ماذا أفعل يا أخي ، يا ابن أمي و أبي.
إني الآن قد ولد لي ولدين توأمين ، الحسن والحسين ،
وأمامي أفعى كبيرة تهددني وتحاول كل يوم مهاجمتي لتأكلني أنا وولداي ، ولا حول لي ولا قوة.
شاهد البستاني ثغاء الخروف عند البئر ولاحظ أنه يتردد كثيرا إلى هناك ويحوم حول البئر وأن شخصا ما يرد عليه.
فاقترب فإذا به يجد سيدته داخل البئر ، فذهب مسرعا يخبر سيده الأمير بذلك.
عرف الأمير بكل ما حدث وبدأ بإنقاذ زوجته وولديه التوأمين الحسن والحسين ،
حيث أحضر كمية كبيرة من اللحم ووضعها داخل قفة وأنزلها إلى زوجته وطلب منها أن تعطي هذا اللحم للأفعى ،
وأن تصعد هي وولديها داخل القفة
ففعلت وأخيرا أنقذها.
عرف الأمير بكل ما صنعته تلك التي إدعت أنها زوجته فثار غضبه واقترح على زوجته أن تفعل بها ما تشاء.
ففكرت أن تنتقم منها ومن والدتها أشد إنتقام.
إقرأ أيضا: من وصايا الكاتب السوري فادي عزام لإبنته
حيث طلبت من الخدم أن تذبح وأن يجعلوا لحمها في طبق كبير من الطعام وبعثت به إلى زوجة أبيها.
وصل الطعام إلى المرأة الماكرة ففرحت كثيرا ظنا منها أن ابنتها تعيش في النعيم وتشارك أهلها فيه ،
وهي تقول لابنها : أنظر ، أختك لم تنسنا أبدا.
و ما إن بدءا يأكلان من هذا الطعام حتى انتبه الابن إلى العين الحولاء ،
فتوقف قائلا : أنظري يا أمي ، إنها عين أختي.
فبدأت أمه تبكي وتنوح حزنا على ما أصاب إبنتها ، ولم تجد أمامها من يشفق على حالها سوى الكلب والقط.
فطلبت منهما أن يبكيا معها فأجاباها : أعطيتنا فقط قطعة ، فلن نبكي معك إلا دمعة
أما الأميرة والأمير فقد سألا و بحثا جيدا عن حل للخروف إلى أن أشار إليهم بعض فاعلي الخير إلى عين ماء تسمى بالعين الحرة ،
فأخذاه إليها وشرب منها وعاد كما كان من قبل بل عاد رجلا قويا وسيما.
فقررا أن يختارا له عروسا وتم زواجه.