إسلام

بلغوا عني ولو آية

بلغوا عني ولو آية

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن النبي صل الله عليه وسلم قال :

بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّا.

رواه البخاري.

شرح الحديث

حثَّتِ الشريعة المطهرة على تبليغ ما جاءَ به الرسول صل الله عليه وسلم ، كلٌّ بحسب استِطاعتِه وعلمه ،

لكن مع الحذر مِن الكذب ؛ إذ الكذب على رسول اللهِ صل الله عليه وسلم من الذنوب العَظيمة.

وفي هذا الحديث يقول النبي صل الله عليه وسلم : “بَلِّغوا عنِّي ولو آيةً” ،

أي : أخبروا الناس وعَلِّموهم بكلِّ ما جاءَ عنِّي وبَلَّغتُكم به ، مِن قرآن أو سُنَّةٍ ، واقتُصِرَ هنا على الآية ؛

ليُسارِعَ كلُّ سامع إلى تبليغ ما وَقَع له مِن الآياتِ والعلم ، ولو كان قَليلًا ولو آية واحدة ؛

ليتَّصلَ بذلك نقْلُ جميع ما جاء به عليه الصلاة والسلام ،

بشرط أن يبلغ الآيةَ صحيحة على وجهها.

ولعلَّه لم يقُل : حديثا ؛ لأنَّ الأمر بتبليغ الحديث يفهم مِن هذا بطريق الأولوية ؛

فإن الآياتِ مع انتِشارِها ، وكثرةِ حملتها ، وتَكفُّلِ اللهِ سبحانه وتعالى بحِفظِها وصَونِها عن الضياع والتحريف واجبةُ التبليغ ؛

فالحديثُ ولا شيء فيه ممَّا ذُكِرَ- أَوْلَى بأنْ يُحدَّثَ عنه ويبلغ به.

“وحَدِّثوا عن بَني إسرائيلَ”، أي : وأخْبِروا بما حَدَّثكم به بنو إسرائيل ، واسْمَعوا لِمَا يُحدِّثونكم به ،

ممَّا لا يَتعارَضُ مع الشرع ، وبِما لا تَعلمون كذبه.

“ولا حَرَجَ” ، أي : لا يقعُ عليكم شيء مِن الإثمِ والذَّنبِ في الحديثِ عنهم.

وليس المقصودُ من قوله : “لا حَرَجَ” إباحةَ الكذبِ في أخبارِهم ، ورفْعَ الإثمِ عن نقْلِ الكذبِ عنهم ،

بل هذا ترخيص في الحديث عنهم على البلاغ وإن لم يتحقق ذلك بنَقْلِ الإسناد ؛ لتَعذُّرِه بطُولِ المُدَّةِ ،

1 3 4 10 1 3 4 10

بخِلافِ أحكامِ شريعةِ الإسلام ؛ فإنَّ الأصلَ فيها التحديثُ بالإتصال.

إقرأ أيضا: البرزخ حياة ليس فيها نوم!

ثُمَّ قال صل الله عليه وسلم : “ومَن كَذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا” ، أي : مَن قصَدَ الكذِبَ على رَسولِ اللهِ صل الله عليه وسلم وتَعمَّد ذلك ،

لا مَن أخطأَ ، “فلْيَتبوَّأْ مَقْعدَه مِن النَّارِ” ، أي : فلْيَتهيَّأْ ولْيَستعدَّ إلى دُخولِه النار وإلى مَقعدِه الذي فيها ،

الذي قد أوجبه هو على نفسه بكَذِبِه على رسول اللهِ صل الله عليه وسلم ،

وتَعمَّد الكَذِبَ عليه ، وهذا وعيدٌ شديدٌ دالٌّ على كِبَرِ هذه المعصيةِ.

وخَصَّ النبي صل الله عليه وسلم الكذب عليه بالتحذيرِ وإن كان الكذبُ كلُّه حرامًا ؛

لأنَّ كلامَه صل الله عليه وسلم تشريع ، وكلامَ غيرِه ليس كذلك ؛ فالكَذِبُ على الرَّسولِ صل الله عليه وسلم أعظمُ مَضرَّةً ، وأعظمُ إثمًا.

وفي الحديث : الأمرُ بتَبليغِ الشَّريعةِ ولو بشَيءٍ قليل.

وفيه : مَشروعيَّةُ الإخبارِ عن بَني إسرائيل.

وفيه : التَّرهيبُ والتحذيرُ مِن الكذبِ على رَسولِ اللهِ صل الله عليه وسلم.

قال ابن باز رَحِمهُ الله : والمشروع للمسلم إذا سمع الفائدة أن يبلغها غيره ، وهكذا المسلمة تبلغ غيرها ما سمعت من العلم ،

لقول النبي صل الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) ،

وكان صل الله عليه وسلم إذا خطب الناس يقول : ( ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع )

قال ابن المبارك رحمه الله : لا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم.

وقال ابن الجوزي رحمه الله : من أحب أن ﻻ ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم.

وقال ابن القيم رحمه الله : وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?