بنت البيضان
كان في قديم الزمان ملك له ولد وحيد ، وقد أعطى الملك ابنه فرساً ، فكان الأمير يركب الفرس ويدور في الولايات.
وفي أحد الأيام مر الأمير بكوخ تسكن فيه إمرأة عجوز فقيرة الحال ، وكانت تحمل بيدها صحناً فيه دبس وتتكئ على عصا وهي تدخل الكوخ.
اصطدم الشاب بالعصا فانسكب الدبس من الصحن ، فدعت عليه المرأة قائلة : أدعو الله أن تقع في حُبّ ابنة البيضان.
فسألها الشّاب : يا خالة ، مَن هي بنت البيضان؟
طَلَبت إليه نقوداً لتشتري طعاماً ، بعد ذلك لتخبره عنها ، فأعطاها ما أرادت وأخبرته مَن هي بنت البيضان.
وأخذ الشّاب يفكّر في بنت البيضان ، حتّى هزل جسمه وشحب وجهه.
أحضر الملك أشهر الأطباء لمعالجة إبنه ، وبعد أن فحصه الطبيب قال للملك : إبنك يحبّ يا سيّدي.
فقال الملك : أنا مُستعدّ أن أزوّجه بِمَن يرغب.
أخذت الملكة تلحّ على الأنير لمعرفة حقيقة الأمر ، فأخبرها بحكاية بنت البيضان.
فلما سمعت الأم إسم بنت البيضان ، أخبرته أن رغبته صعبة التحقيق.
فأكّد الشاب لأمه أن ذلك لا يهمّ ، وأنّه مُصرّ على البحث عنها ، وكلّ ما يطلبه هو السّماح له بالذهاب لمعرفة مكانها.
وبعد إلحاحٍ شديدٍ ، أذِنَ له والده.
استعدّ الشاب للسّفر ، وأخذ معه المتاع اللازم ، وامتطى صهوة فرسه القوي وخرج قبل شروق الشمس وكان يشعر بالسّعادة.
وفي المساء، وصل إلى منطقةٍ فيها كثير من النخيل ، بالقرب منها قصر ، يقف بجانبه رجل قوي يقطع النخلة ويقسمها قسمين ،
ويأكل كلّ قسم دفعة واحدة ، وكان هذا الرّجل يقضي يومه في أكل النّخيل.
إقرأ أيضا: قصة إنتقام
خاف الأمير من هذا الرجل وقال : إن كان يأكل نصف النخلة دفعة واحدة ، فلا شك أنه سيأكلني أيضاً ، واختبأ خلف القصر.
عند الغروب ، رجع الرّجل القوي ، وفي طريقه إلى القصر رأى الشاب ، فسأله عن سبب جلوسه هناك ،
فتوسّل إليه الشاب حتى لا يأكله ، ودعا الله أن يحفظه.
أخذ الرجل الشّاب وفرسه وأدخلهما القصر ، وقدّم للشاب الطعام والشراب ، وأمّنه على نفسه ، وقال له : قم واسترح.
وأعطاه فراشاً لينام ، فنام.
وفي الصباح ، أخبره الأمير أنه سيذهب بعد يومين ليبحث عن بنت البيضان ، فقال له الرّجل :
هذه الصّحراء مملوءة بالصّخور التي كانت بشراً ، حوّلتهم بنت البيضان إلى هذه الحال ورمت بهم في الصحراء ،
لا تذهب إليها وتحرُم شبابك.
فقال الشّاب : هذا لا يهم ، أريد الزّواج منها.
وقبل شروق الشمس ، قدّم الرجل للشّاب متاعاً ، وقطع له ثلاث شعرات من رأسه وقال له :
إذا شعرت بضيقٍ أشعل شعرة ، وسأكون عندك في الحال.
شكره الشاب وودّعه وانطلق في الطريق ، وفي المساء ، وصل منطقةً وَجَد فيها رجلاً يحفر الأرض ويأكل التّراب ،
حتى صار بجانبه حفرة كبيرة ، فتعجّب الأمير واختفى وراء قصرٍ قريبٍ من المنطقة ، وظلّ يراقب الرّجل.
رأى الرجل الشاب وأخذه إلى قصره ، وأطعمه وتركه ينام ليستريح ، ثم سأله عن وجهة سيره ، فحكى له الشّاب قصّته.
أخبره الرجل ، كما أخبره الرّجل الأول ، بأنّ بنت البيضان تُحوّل الرّجال إلى صخورٍ
لكنّ الشاب أصرّ على الذهاب إليها ، فأعدّ الرجل للشّاب ما يلزمه للسفر.
وقبل شروق الشمس ، قبل أن يودّعه ، أعطاه ثلاث شعراتٍ من رأسه ، وقال له :
إذا شعرتَ بضيقٍ، أشعل واحدة ، وسأكون عندك في الحال ، وتابع الأمير سيره.
إقرأ أيضا: قصة النبتة العجيبة
وفي المساء رأى الأمير رجلاً أمامه قدرٌ كبيرٌ ، يطبخ كمية كبيرةً من الأُرُز ويأكله كُلّه ،
فتعجّب الشاب ، وعندما رآه الرجل أخذه إلى قصره ، واستمع إلى قصّته ، ثم قال له :
عندما تصل إلى المدينة ستجد قصراً فيه إمرأة عجوز ، قُل لها إنّ أخاك فُلاناً بَعَثني إليك ، واقض ليلتك عندها.
وعندما تذهب إلى بنت البيضان ، لا تركب فرسك ، بل اذهب إليها على قدميك ، إنّها تسكن قصراً في وسط الصحراء.
وصل الشاب حيث توجد المرأة العجوز ، فرحّبت به وقدّمت له طعاماً ، وتحدّث الإثنان طويلاً ، ثم قالت له :
اذهب مشياً ولا تكلّم أحداً ، فإن رأتك بنت البيضان وأُعِجَبت بك ، فسترسل إليك وتصعدك إلى غرفتها ،
أمّا إذا لم تعجبها فإنّها ستحوّلك إلى صخرةٍ.
لكن إذا كنتَ لا ترغب في الذهاب فيمكنك أن تبقى معي وتعيش مُعزّزاً مُكرّماً.
لكنّ الأمير أصرّ على الذّهاب.
وفي الصباح ، استحمّ ولبس ملابس جديدة ، وذهب في اتّجاه القصر المنشود ،
وعندما رأته بنت البيضان من الشّباك أعجبت به ، وأرسلت خادمتها إليه ، وأخذته إلى غرفة سيّدتها.
جلسا يتحدثان ، فسألته عن الولاية التي قدم منها ، وهل هو ابن الملك؟
وطلبت إليه أن يذهب إلى أبيها الملك الذي سيطلب منه أشياء ، إذا حقّقها فستتزوّج منه ،
أمّا إذا لم يستطع تحقيقها فستحوّله إلى صخرةٍ.
أخذت الخادمة الأمير إلى الملك ، فدخل وسلّم عليه وعلى الوزراء ، وعندما طلب يد الأميرة طلب إليه الملك ثلاث مطالب ،
إنّ حقّقها فسيُزوّجه ابنته ، فوافق الأمير.
قال الملك : الطّلب الأول هو أن تأتيني برجلٍ يستطيع أن يقلع النّخلة ويأكلها.
قال الشاب : هذا أمر بسيط جدا ، وأخرج شعرةً وأشعلها ، فجاء الرجل آكل النخيل ، وأخذ يأكل نخلةً بعد أخرى.
إقرأ أيضا: كان هناك أخوان إثنين قررت والدتهما أن تزوجهما
خاف الملك أن يأكله هذا الرجل ، فطلب إلى الأمير أن يأمر الرجل بالكفّ عن أكل النخيل.
ثم طلب الملك إلى الأمير أن يأتيه برجلٍ يستطيع أن يلتهم تراب حفرةٍ كبيرة.
فأشعل الأمير شعرة ، وجاء الرجل آكل التّراب ، وأكل كميةً من التراب أكثر بكثيرٍ ممّا توقّع الملك.
وأخيراً قال الملك : المطلب الأخير هو أن تأتيني برجلٍ يستطيع أن يأكل كيساً كبيراً من الأُرُز في جلسةٍ واحدةٍ.
فأشعل الأمير شعرة ، فجاء الرجل آكل الأرز ، والتهم ثلاثة أكياسٍ لا كيساً واحداً.
فقال الملك : ابنتي لك الآن.
أخذ الأمير بنت البيضان ، وعاد بها إلى مملكة أبيه ، وتزوّجها وسط الأفراح التي عمّت المملكة سبعة أيامٍ وسبعة ليالٍ.
وعاش الزّوجان عيشةً سعيدة.