بيتنا جميل منظم وهادىء وبسيط يسكنه خمسة أفراد ، يفيض كل منهم بالحب على الآخر.
لي فيه غرفة بسيطة وجميلة جدا طليت باللون الوردي.
أذكر أنني طليتها بنفسي بمساعدة شخص ما منذ عشرِ سنوات ،
بها فراش وأريكة وخزانة ملابس ومكتبة ومزهريات نثرتها بكل ركن فيها.
أنا شخص يحب البيوت ، قضيت عمري بأكمله بين جدران غرفتي التي لم أتركها إلا لماما لآداء إختبار أو لميعاد طبيب.
يؤذيني الشارع بتفاصيله فبتُ أشفق على أي مضطر لمواجهته كل صباح.
لا أحب حياة الصخب وأفر من التجمعات والناس فرار محب الحياة من الموت!
الجميع يعلم تعلقي ببيتنا حتى أخبرني أكثر من شخص أن حبي للبيت وتجنبي لمغادرته تعلقًا مرضيًا ،
ولا بد من مواجهته للتخلص من فوبيا الشارع التي تتملكني رغما عني لكنني لم أنتبه لنصائحهم ولم أزدد للبيت إلا حبا.
لي فيه ذكريات كثيرة حتى بات بيتنا وكأنه قطعة من قلبي ،
صادقت جدرانه وكل شبر فيه حتى بدا وكأنه يعرفني ويحبني ويبادل شعوري نحوه بألف شعور.
بيتنا طيب يحب أهله ويحتويهم ويربت على أكتافهم حين لا يربت عليها أحد ،
ويحفظ أسرارهم حتى عندما لم يحتملوا هم كتمانها.
لي مع كل ركن هنا حكاية ومع كل شبر قصة وذكرى لن أنساها أبدا!
لم يخطر ببالي أبدا أنني من الممكن أن أجلس لأكتب رثاء فيه ،
ولم يطف بذهني أبدا أنني من الممكن أن أبكي لساعات متواصلة لفراق أي جماد لا يشعر ولا يحس.
أصحيح يا بيتنا أنت لا تشعر ولا تحس بأن جميعنا الآن يبكيك؟!
كنت أظن أن النظرة الأخيرة والوداع المر وانقباض القلب المفزع مقتصر على الأشخاص فقط ،
لكنني الآن أشهدكم أن وداع بيتنا أقسى وداع مررت به ، رغم أنني شخص مُثقلٌ أصلًا بالوداع.
إقرأ أيضا: سألوني أتحب خلفة البنات
عندما يفترق المحبون يصبِرون بعضهم بأنهم سيلتقون في الجنة.
ماذا عن الجمادات يا رب إننا أحببناها أكثر من أي بشر.
هل ثمة لقاء أعزي نفسي به أم أن هذا هو اللقاء الأخير؟!
الليلة آخرُ ليلة لي في بيتنا ، وصلاة التراويح هذه آخرُ صلاة لنا به ،
ليربط الله على قلبي وعلى كل قلب هين لين يبكي لفراق الأمكنة ولا ينسى أبدً أنها احتوت ألمه وسترت حزنه وساعت فرحه وصادقته عندما تشققت روحه بالوحدة!