إسلام

بينما النبي صل الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة

بينما النبي صل الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه ، إذْ حادت به فكادت تلقيه ،

وإذا أقبر ستة ، أو خمسة ، أو أربعة -قال : كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيْرِيُّ- فقال :

مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه الأقْبُرِ؟ فَقالَ رجل: أنا ، قالَ : فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ ،

فَقالَ: إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا ، فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا ، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الَّذي أَسْمَعُ منه.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ ، فَقالَ : تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ ، قالوا : نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّار.

فَقالَ : تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ ، قالوا : نعوذ بالله من عَذَابِ القبر ، قال : تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن الفِتَنِ ، ما ظَهَرَ منها وَما بطن ،

قالوا : نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ ، قال : تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ،

فقالوا : نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.

الراوي : زيد بن ثابت | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2867 | خلاصة حكم

أخْبَرَنا القرآنُ الكريمُ والنَّبيُّ صل الله عليه وسلم بكثير مِن الغَيْبِياتِ ، مِثلُ الجنَّةِ ونَعيمِها ، وعَذابِ القبرِ والنَّارِ والدجال ،

ويَجِبُ الإيمان بكل هذا مع العمل بما أمَرَنا به ؛ للفوزِ بنَعيمِ الله ، والنَّجاةِ مِن عَذابِه.

وفي هذا الحديثِ يَرْوي زَيدُ بنُ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه أن النبي صل الله عليه وسلم كان ذات مرَّةٍ في بُستانٍ ،

وكان يَركَبُ على بغلةٍ له ، وكان معه بعض الصحابة رضي الله عنهم ، فمالَت البَغلةُ ونفرَتْ به ،

فكادت تُلقيه صل الله عليه وسلَّمَ عن ظَهرِها مِن شِدَّةِ نُفورِها مِن شَيءٍ خافتْ منه ولم يَعرِفوه.

فبيْنما هُم على تلكَ الحالِ مع رسولِ اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّمَ ظهرَتْ لهم قبورٌ مَعدودةٌ إمَّا أربعةٌ ، أو خمسة ، أو ستة ،

فَسَألَ صل الله عليه وسلم : مَن يَعرِفُ أصحابَ هذه الأقْبُرِ؟ فأجابَ رجلٌ : أنا أعرِفُهم ،

فسَألَه النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ : «مَتى ماتَ هؤلاء؟» أي: أفي الجاهليَّةِ أو بعدَها ، وهلْ ماتوا مُشركينَ أو مؤمنينَ؟

إقرأ أيضا: هذا الفعل بدعة

فأجابَ الرَّجلُ بأنَّهم ماتُوا على الإشراكِ وفي الجاهليَّةِ ، فقال صل اللهُ عليه وسلَّمَ : «إنَّ هذه الأمَّةَ تُبتَلى»

أي : تُمتَحَنُ وتُختبَرُ في القبرِ ، ثُمَّ تُنعَّمُ أو تُعذَّبُ ، فلوْلا أنِّي أخْشى ألَّا تَدفنُوا مَوتاكم ،

لَدعوْتُ اللهَ أنْ يَجعَلَ في أُذنِكم القُدرةَ على سَماعِ أصواتِ المعذَّبِين في القبرِ الَّذي أسْمعُه مِنَ القبرِ الآنَ ،

1 3 4 10 1 3 4 10

وعليه ، فالمعنى : لولا الخوف والفزع الذي سيَقعُ في قلوبِكم مِن سَماعِ الصراخ ونحوه ،

وهو الَّذي يَترتَّبُ عليه الخوفُ مِن الدَّفنِ ؛ لتَركْتُم ميتكم غيرَ مَدفونٍ خَشيةً عليه مِن هذا العذابِ.

ثُمَّ إلتَفَت النبي صل الله عليه وسلم إلى مَن معه وجَعَلهم في قُبالةِ وَجهِه الشَّريفِ ؛ ليَكونَ أسمَعَ وأبلَغَ في الموعظة ،

وأمَرَهم صل الله عليه وسلَّمَ أن يَستعِيذوا بالله مِن عذابِ النَّارِ ، فاسْتَجابوا لأمرِ النَّبيِّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ وقالوا :

«نَعوذُ بِاللهِ مِن عَذابِ النَّارِ» ، ثمَّ أمَرَهم صل الله عليه وسلَّمَ بأن يَستعِيذوا بِالله مِن عذابِ القبرِ ، فقالوا :

«نَعوذُ بِاللهِ مِن عذابِ القبرِ» ، وقدَّمَ عَذابَ النَّارِ في الذِّكْرِ مع أنَّ عذابَ القبرِ مُقدَّمٌ في الوجودِ ؛ لِكونِه أشدَّ وأبقى وأعظَمَ وأقوى ،

ثُمَّ أمَرَهم صل الله عليه وسلم بأن يَستعِيذوا بِاللهِ مِنَ «الفتنِ» جمعُ فِتنةٍ ، وهي الإمتحان ، وتُستعمَلُ في المكْرِ والبلاء ،

«ما ظهَرَ منها» كالقتلِ والعذابِ ، «وما بطنَ» كالعداوةِ والبَغضاءِ والحسَدِ ، فاسْتَجابوا وقالوا :

نَعوذُ بِاللهِ مِنَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطَنَ ، ثمَّ أمَرَهم صل الله عليه وسلَّمَ بأن يَسْتعِيذوا بِاللهِ مِن «فتنةِ الدَّجَّالِ» مِن الدَّجلِ ،

وهو التَّغطيةُ ، سُمِّي به ؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه ، وهو شَخصٌ مِن بَني آدَمَ ، يَدَّعي الأُلوهيَّةَ ،

وظُهورُه مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القِيامةِ ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه ، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالَى :

مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه ، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه ، وجَنَّتِه ونارِه ، ونَهْرَيْهِ ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له ،

إقرأ أيضا: يوم القيامة يوم شأنه عظيم

وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ اللهِ تعالَى ومَشيئتِه ،

وسُمِّيَ مَسِيحًا ؛ لأنَّه مَمْسوحُ العَيْنِ مَطْموسُها ، فهو أَعْوَرُ ، وقيل غيرُ ذلك.

وخصَّ فِتنةَ الدَّجَّالِ بالذِّكرِ ؛ لأنَّها مِن أكبرِ الفتنِ حيثُ يُجرُّ إلى الكفْرِ الْمُفضِي إلى العذابِ الْمُخلَّدِ ،

فاستجابَ الصَّحابةُ الموجُودونَ وقالوا : نَعوذُ بِاللهِ مِن فتنةِ الدَّجَّالِ.

وفي الحديثِ : ثُبوتُ سَماعِ البهائمِ لِأصواتِ المعذَّبِينَ في القبورِ.

وفيه : الأمرُ بِالإستعاذةِ مِن النَّارِ وعذابِ القبرِ والفتنِ والنَّارِ وفتنةِ الدَّجَّالِ.

وفيه : ثُبوتُ عذابِ القبر.

وَفيه : بَيانُ فَضلِ اللهِ العظيمِ ؛ فقدْ حَجَب الثَّقلينِ عن سَماعِ ما يَلْقاه المَوتى في قُبورِهم.

وفيه : بَيانُ كَمالِ شَفقةِ النَّبيِّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمَّتِه ؛ فقدْ تَرَك دُعاءَ ربِّه بأنْ تَسمَعَ الأُمَّةُ عَذابَ القبرِ ؛ لئلَّا يَترُكوا التَّدافُنَ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?