تحكي احدى المعلمات دخلت الفصل وأغلقت الباب ورائي ، وقررت أن أُفرغ كلَّ غضبي على الأطفال.
وبالفعل الذي لم ينجز الواجب ، مسكته وضربته!
وجدتُ طفلا نائما على الطاولة ، أمسكته من ذراعه وقلت له :أين واجبك!
رجع الولد إلى الوراء بخوف وقال بصوت متقطع : نسيته والله!
أمسكته وأفرغت فيه كل غضبي وتعبي وضغوطاتي التي سبّبها لي زوجي.
وجدت طفلا واقفا ، بجانبي يشدني ، ويشير لي بيده كي أنزل إلى مستوى رأسه ،
التفتُّ إليه بعصبية ونزلت قليلا وقلتُ له : خيرا ، ماذا هناك!
رد َّبكل هدوء وقد ارتسمت على ملامحه ابتسامة بريئة ، وقال :
هل ممكن أن نتكلم خارج الفصل يا معلمتي لأن الموضوع مهم!
نظرتُ إليه بنفاذ صبر ، وكنت متأكدة أنه يريدني في موضوع تافه وأكيد سيشتكي لي من صاحبه الذي سرق قلمه.
لكن لما استمعتُ إليه ؛ صُعِقت من مدى ذكائه ، فقد كان يمتلك كميةَ معلومات تربويَّة غير عادية.
بضحكة لطيفة قال : انظري يا معلمتي ، أنتي لطيفة وكلنا نحبك ، لكن زميلي الذي ضربته في الآخير ،
يتيم وأمه دائما تضربه لما يخطئ ، لأنها تربِّيه بطريقة خاطئة.
لذلك أصبح ينسى كثيرا ويخاف من كل شيء ، حتى أنه يخاف من اللعب معنا ، لأنه يخشى أن نضربه.
وأنا صاحبتُه وظلّ صاحبي وقد شعر بالطمأنينة معي ، وحكى لي أنه يكرهُ الضرب كثيرا.
ولو رأيتِ جسمَه ؛ ستجدين عليه علامات كثيرة من تأثير ضرب أمِه له.
فهل يمكنك يا معلمتي ، أن تكوني لنا أُما ومُربيَة وتدعي غضبك وانزعاجك خارج الفصل قبل أن تدخلي علينا ،
لأننا نحبك ونتعلم منك أشياء جميلة؟!
نظرتُ إليه باستغراب وقلتُ له : أنت كيف تستطيع أن تتكلِّم مع الكبار هكذا؟
فردّ قائلا : أمي كانت تعلمني دائمًا حسن الظن ، وأيضا قالت لي :
إقرأ أيضا: بعد أن حفظت خمسة أجزاء بدون تجويد
«أنت لا تعرف شيئا عن ظروف الذين أمامك ، فيجب أن تضع غضبك وانزعاجك على جنب وتتعامل معهم بلطف ،
لأن الدنيا فيها الكثير من الأشياء المزعجة».
وقالت لي : «لو رأيت أحدا منزعجا ، اعتذر له نيابة عن الذي أزعجه».
وبعد ذلك قفز ، واحتضنني وقال : أكيد أنت منزعجة من شيء لذلك ضربتنا اليوم.
أنا آسف يا معلمتي ، لا تحزني لأنك جميلة كثيرا.
كنت واقفة عاجزة عن التعبير وأشعر أني أنا الطفلة وأنه هو المُعلّم والمُربِّي ، هل مازالت هناك تربية بهذا بالشكل؟
وهل توجد هناك أمهات حريصات على تربية أطفالهنّ بطريقة سويّة هكذا؟
قلتُ له : حاضر ، كيف سأصالحه الآن يا أنس؟
فقال لي :”هاكِ شكولاطة ، هو يحبها ،
ولو سامحك استغفري ربنا وقولي : سبحان الله وبحمده كثيرا ،
كي تزرعي لكِ نخلة في الجنة.
قلت له : نخلة مثل التي هنا في الدنيا؟.
قال : «يا معلمتي ، نخل الجنة ، ليس كنخل الدنيا.
ماما قالت لي :” إن نخل الجنة مختلف تماما ، أما الثمرة فيبقى ملمسها ناعما ، وحجمُها كبيرٌ جدًا ،
وطعمها أحلى من العسل ، وليس فيها نوى”»
أنس هل يمكنني أن أحضر هدية لأمك؟
ممكن ، لكن هي دائمًا تقول لي: ” أنس هديتي “.
أنت فعلاً هدية كبيرة جدا يا أنس وطفل جميل أيضا.
إقرأ أيضا: ليس كل الآباء آباءا
حسنا ، تعالي معي لنصالح أحمد ، أنا معي خمسة جنيهات ، ممكن أن أشتري بها شكولاطة وأنتِ قولي له : أنك أحضرتِها من أجله.
أنس ، أمك تستحقُّ تكريما من أحسن مكان والله! التي مثل أمك تستحقُّ الجنَّة.
وتمر الأيام ، أستاذة ريهام ، كيف حالك،طمئنيني عنك؟
أنا أنس ، هل لازلتِ تتذكّرينني؟
نظرتُ إليه ، وجدتُه شابا كبيرا ، يلبس نظّارة وأمُّه واقفة إلى جانبه ،
ووجهُها يشِعُّ نورا ، وبعدها ذهبت ، اشترت لي هدية وقالت لي :
بما أنك كنت تدرسين أنس فأتمنى أن تأخدي هذه الهدية مني ، لأن الخير الذي هو فيه الآن ، بالتأكيد كان لك دور فيه.
نظرتُ إليها بتعجب وقلت : خيرا ، كيف؟ “
قالت :”الحمد لله ابني أصبح مُعيدا في كلية طب أسنان..” دمعت عيناي من كرم أخلاقها وحلاوة تفكيرها وقلت : الشكر لك ، هذه الهدايا للناس أمثالك ، أنتِ تظنِّين أنّك كنت السبب في تربيته هو فقط؟
فتربيتُك له هي الّتي ربّتني! كيف ربّتك؟
ابنك علّمني موقفا من سنين غيَّر حياتي ، وبفضله ربّيت أولادي بطريقة صحيحة ، وحياتي مع زوجي تغيرت تمامًا.
الحكمة ..
الزوجة الصالحة نبتة سليمة لتشكيل جنَّة المجتمع.
ولا تستهِن بدور ربِّة المنزل ، لأنّها مربيةُ جيل كامل!