تذكر كتب السير أن إبراهيم بن أدهم قد حضرته الوفاة
تذكر كتب السير أن إبراهيم بن أدهم قد حضرته الوفاة وهو مرابط مجاهد في حرب الروم ، ولما شعر بدنو أجله قال لأصحابه :
« أوتروا لي قوسي ». فأوتروه.
فقبض على القوس ومات وهو قابض عليها موجها إياها نحو العدو.
وذكروا أنه كان ليلة موته مريضا بداء البطن حتى أنه دخل الخلاء ليلتها أكثر من مائة مرة ، في كل مرة يتوضأ بعدها!
كأنه أراد أن يجمع بين الأجور جميعها ساعة لقيا ربه.
مريض ومرابط على ثغور العدو ، ثم لما أحس بقرب المنية قبض على القوس موجها وجهه وسهمه قِبل العدو!
لا أدري لِمَ تداعت إلى ذهني نهاية إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه لما رأيت مشهد الشهيد الساجد رحمة الله عليه.
كأنما ينظُمُ هذا النوع من الناس ناظم واحد ،
كأنهم لم يشبعوا في الدنيا من صنيع الصالحات ،
رغم امتلاء صحائفهم بها حتى لم تعد فيها صفحة فارغة.
فتراهم وهم يطوون آخر الصفحات كأنما يتوجعون لفقد الحسنات لا لانتهاء الحياة!
يريد أحدهم أن يلقى الله إن استطاع بألف ألف عمل ، رغم أن واحدا منها فقط يكفيه ليكون مع النبيين في أعلى الدرجات!
ذكروا أن صلة بن أشيم رضي الله عنه خرج للجهاد ومعه ولده ، فلما اصطفوا للقاء العدو قال لولده :
تقدم يا بني لتقاتل وتثخن في العدو حتى تستشهد ، فأحتسبك ، ثم أتقدم بعدك فألقى الله شهيدا ، فتم له ما تمنى.
استشهد الولد ثم تبعه الوالد بعد احتسابه!
إقرأ أيضا: إحذر من نفسك الأمارة بالسوء
تماما كما فعل الشهيد الساجد ، كان يحفظ القرآن ويحفظه للناس نهارا ، ويرابط ليلا ،
ثم من الله عليه بجهاد عدوه حتى أصاب منهم وأصابوا منه ثم تحامل على نفسه حتى سجد ولقي الله كذلك!
كأني به وبأمثاله المعنيون بقوله تعالى : والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون.
قدموا كل شيء ، ويحسبون أنهم لم يقدموا شيئا ، كأنها نفوس جائعة لعمل الآخرة أيما جوع!
ليت شعري كما ستفرق الآخرة غدا بين من كانوا يعيشون حتى في الزمان الواحد ، لأن بعضهم كان سريع الشبع من الطاعة ،
والآخر كان لا يشبع منها ولو نال الشهادة!
واخجلة المرء من نفسه ثم من ربه وهو يرى السابقين من أهل زمانه يلقون الله هرولة ،
بينما يمشي أحدنا مشي السلحفاة وهو يمني نفسه بالدرجات العلا من الجنة!
كم يرسل الله لنا الرسائل على هيئة أحداث ، فيلتقطها ويتلقفها من فهمها على أنها وكأنها لم ترسل إلا له ،
بينما آخرون يظلون سادرين في غيهم متجاهلين رسائل الله لهم حتى تنتهي الأعمار ، وأعمالهم فيها لا تشترى بدرهم أو دينار!
رحم الله الشهيد الساجد ، وأعاننا على قراءة رسالة الله لنا من خلاله.