تزوجت جارتنا من رجل أرمل
تزوجت جارتنا من رجل أرمل له خمس أولاد في مقتبل أعمارهم ،
عكفت على تربيتهم بكل مالديها من أمومة وحب وحنان ،
كان بسيط الحال ولم تكن يوميته البسيطة -التي يتحصل عليها من الأعمال الحرة –
تكفيهم فقررت أن تُساعده بالعمل ، لكن المسكينة لم يكن لديها شهادة لتعمل فبدأت تأتي بالقليل من الخضراوات لتبيعها أمام بيتها
وتمضي قدمًا أحيانًا بين الحارات لبيع كل ماعندها لأن المكسب لم يكن بالكثير ،
لم تُشعرهم يومًا بالحاجة أو اشتهاء شيء دون أن تأتي به إليهم ، كنا كلما قلنا لها :
-الله يرزقك بأطفال من صلبك .
تحزن وتقول :
-الحمد لله على رضاه هم أبنائي وفلذات أكبادي ولا أتمنى سوى سعادتهم .
كأنما وضع الله محبتهم في قلبها يوم دخلت بيتهم البسيط ،
كان كبيرهم وقت يأتي من المدرسة يُسرع نحو يدها يُقبلها ويُناولها باقي قطعة الحلوى التي تناول نصفها ليترك لها النصف الآخر ،
ربتهم فأحسنت تربيتهم وما تركتهم يومًا ، أعلنت زوجها على حمله ووسع الله عليها رزقها ،
فزادت البضاعة وزاد البيع وصار الرزق يأتيها حيثما حلّت قدمها ، توسعت ففتحت محلًا للخضروات تقف فيه طوال صباحها ثم يأتي زوجها ليكمل باقي نهاره فيه ،
تحسنت أحوالهم المادية كثيرًا ولم نرها يومًا أقدمت على شراء شيءٍ لنفسها كانت لا تريد سوى سعادتهم وتلبية متطلباتهم ،
كان الابن الأوسط يقول :
-والله كانت أحن علينا من أمي .
بالفعل كانت هكذا حتى أن زملاءهم كانوا يحسدونهم على أم مثلها حنونة ضاحكة يظهر جمال قلبها على نفسية الأولاد واستقرارهم وتقدمهم بالمدرسة ،
حتى كبروا وصاروا شبابًا ينشرح القلب برؤيتهم ، فنراهم وقت يلقوها تجلس في محل الخضار يمسكون بيدها لترتاح ويجلسون مكانها رغم بذلاتهم ومكانتهم المرموقة التي أصبحوا عليها بفضل الله ثم بفضلها .
ماتت بعدما أدت أسمى مُهمة وأرقى واجب يُمكن للمرء أن يقدمه في حياته ،
كانوا يبكونها بحرقة شديدة وينتحبون لفراق أمهم التي لم تُنجبهم ،
والله ما رأينا شخص يبكي أمه في منطقتنا كما بكوها وحزنوا عليها ،
إقرأ أيضا: أحد الجيران توفيت زوجته
وحتى اليوم يوزعون الصدقات على روحها ويدعون لها بالجنة كما جعلت لهم الحياة
الحقيقة أن هناك نماذج تعيش بيننا لا يعرف أحد عنها شيئًا رغم جمال ونقاء قلبها
فاللهم ارزق كل يتيم بمن تتقي الله فيه وتعوضه عن أمه وتُصبح له أم حقيقية .