تضحية الأم لا تتعجب إنها الأم الأم وكفى
تضحية الأم لا تتعجب إنها الأم الأم وكفى
إنقلب حال الأسرة بعد الحادث الأليم ، توفى الزوج والأم تعيش بعين واحدة التي شوهت منظر وجهها الجميل ،
حتى أن ولدها الوحيد كرهها لأنها كانت تسبب له الاحراج بل كان يرى أن شكلها مقزز.
لضيق ذات اليد اضطرت الأم المسكينة أن تشتغل عاملة في أحد المدارس القريبة ،
وتصادف أن دخلها لإبنها ليتعلم به.
وعندما إكتشف الأمر بدأ يخفي الحقيقة عن زملائه حتى لا يكون مصدر سخرية لهم بسبب العاهة التي أصيبت بها الأم.
يشاء القدر أن تسمع الأم بإصابة أحد التلاميذ بالإغماء فأسرعت لكىةي تطمئن على إبنها ،
فوجدته بخير فاحتضنته وهي تبكي بدموع الأم المتلهفة على سلامة إبنها.
فتعجب كل التلاميذ وعرفوا أن تلك العاملة المسكينة ذات العين الواحدة هي أمه ،
فشعر الولد بالإحراج الشديد وتضايق من إفتضاح أمره ونظر لأمه نظرة كراهية ونكران للجميل ،
وحدث نفسه قائلا : يا ليتني أستطيع أن أدفن نفسي أو أدفن أمي حتى أتخلص من عارها ، والسخرية التي أتعرض لها بسببها.
عاد الولد إلى البيت فاستقبلته أمه بالإبتسامة لكنه نهرها وأخذ يصيح فى وجهها ويقول :
إذا كنت ميتة لما تعرضت للسخرية أتمنى أن تختفي من حياتي ، شكلك وعملك جعلني أضحوكة بين زملائي.
صممت الأم وهي تحاول إخفاء حزنها لكنها لم تستطيع إخفاء بكاء قلبها ،
فكان الولد كلما تعرض للسخرية يأتي ويصب على أمه اللعنات والكلام الجارح لها وهي صامتة.
مرت الأيام والأم تعمل بكل الطرق على إسعاد إبنها المتمرد الكاره لها ،
نجح الولد في دراسة بتفوق وحصل على منحة خارج البلاد ليستكمل دراسته ،
فرح جدا لأنه حقق حلمه بالبعد عن أمه مصدر سخرية الناس عليه ،
بالفعل ترك أمه وحيدة وسافر ودرس وتزوج وعمل في وظيفة مرموقة.
إقرأ أيضا: صباح الخير يا أمي
قلب الأم يعتصره الألم ونار الفراق تكوي الضلوع والحنين يؤرق نومها ،
فقررت السفر لكي ترى إبنها الوحيد خوفا أن تموت قبل أن تروي شجرة الحنين برؤية فلذة كبدها ،
وكان لديها شوق للتعرف بإحفادها الذين لم تراهم ولا يعرفون عنها شيئا.
وصلت الأم لبيت ولدها فقابلها بجفاء وسخر منها أمام أولاده الصغار الذين أخذوا هم أيضا ،
يسخرون منها حتى أن منهم من خاف وفزع من شكلها ، وابنها لم ينهر أولاده.
فقررت الأم أن تعود إلى وطنها وهي بائسة حزينة من فعل ولدها ، بعد أن حققت أمنيتها برؤية إبنها وأحفادها.
تدور الأيام ويتعرض الإبن لحادث يقفد فيه ساقه ويمشي على ساق من الخشب ،
فتغلب الحنين على غلظة قلبه واشتاق لرؤية أمه فهو الآن يشعر بما كانت تشعر به ،
عندما كان يسخر من شكلها فهو يعاني من نظرات أطفاله بسبب ساقه الخشبية.
سافر الإبن إلى موطنه حيث أمه وقبل وصوله البيت قابلته جارة لهم وأخبرته أن أمه ماتت من فترة ،
فصرخ في وجهها كيف تموت أمه ولم يخبره أحد ، فتعجبت الجارة وقالت كيف نخبرك وأنت لم تسأل عن أمك طول السنين الماضية ،
لكن أمك لم تنساك لحظة وكانت تتباهى بيننا بتفوقك وقد تركت لك خطاب ،
وأوصتني أن أعطيه لك فقد كان عندها شعور بأن حنانها عليك سيدفعك في يوم للعودة.
أخذ الإبن الخطاب ودخل بيته القديم وأخذ يسترجع الذكريات وينظر المكان الذي شهد سخريته من أمه ،
وكم تمنى أن تموت وتفارقه ، وها هي تركت له الدنيا وأصبح وحيدا ، فهل شعر بالسعادة التي كان يتمناها؟!
جلس وفتح الخطاب وما أن وقعت عينه على كلمة إبني الغالي ، حتى أبت دموعه أن تسقط معبرة عن أسفه وحزنه.
إبني الغالي ، لقد كنت أغلى من حياتي ، تمنيت أن نعيش سويا وأرى أولادك يلعبون معي في ذلك البيت ،
الذي تركتني أعيش فيه بمفردي أعاني الوحدة القاتلة.
إقرأ أيضا: انتبهوا ونبهوا أولادكم أن الصلاة هي الأمان الوحيد
إبني الغالي ، لقد ذهبت الآن إلى مكان حيث لن يراني أحد ولن أسبب فيه الحرج لأحد ،
وحيدي الغالى سأخبرك بسر تحملت بسببه كل سخريتك مني ، حتى أمنحك السعادة طول العمر.
عندما توفى والدك في حادثة السيارة وأنت رضيع على يدي فقدت عينك اليسرى وأنا لم أصاب ،
أخبرني الطبيب أنني أستطيع أن أتبرع لك بإحدى عيناي ولم أتردد لكي تعيش سعيدا ولا تشعر بأن شيئا ينقصك.
وبالفعل تبرعت لك بعيني التي كانت سببا في أن تراني قبيحة وأني مصدر إحراجك أمام الجميع.
شعر الإبن بالصدمة الشديدة وتفاجأ مما قرأءه فيه ، وشعر بالخزي الشديد على كل ما فعله مع والدته في كل حياته.
فتملكته نوبة من البكاء الشديد وانهمرت الدموع على وجهه ، وأخذ يدور في البيت كالمجنون وهو يصرخ :
أمي ، أمي.