تعالوا نتفق أننا مختلفون!

‏تعالوا نتفق أننا مختلفون!

يحكى أن حافلة كانت تقل مجموعة من العلماء لدراسة الحياة البرية في إحدى القرى النائية ،

ولما صارت الحافلة على مشارف تلك القرية انقلبت ، ومات كل من فيها!

فأصدرت بلدية القرية قرارا يقضي بدفن جميع العلماء في القرية تخليداً لذكراهم ،

‏على أن تفتح باب المقبرة لذويهم يوما في الأسبوع إذا رغبوا بزيارتهم.

وصادف أن دفن عالم فرنسي بجوار عالم هندي وكان لكل منهما قريب ،

لا يتخلف عن زيارة قبر قريبه كلما فتحت المقبرة بابها في اليوم الموعود.

كان الفرنسي يحضر متأنقاً حاملا باقة ورد يضعها على قبر قريبه ،

‏وكان الهندي يحضر على هيئة رثة يحمل صحن أرز ويضعه على قبر قريبه أيضا.

ودارت الأيام ، ليل يطويه نهار ، ونهار يطويه ليل وهُما على هذه الحال ،

إلى أن أراد الفرنسي أن يسخر من الهندي وقال له : متى سيقوم قريبك ليأكل صحن الأرز؟!

‏نظر الهندي إلى الفرنسي بهدوء وقال له : عندما يقوم قريبك ليشم باقة الورد!

الشاهد في القصة أننا ندير حياتنا وفق قيم ، ومعتقدات ، وعادات ، ألِفناها وتربينا عليها حتى غدت جزءاً من منظومتنا الفكرية ،

هذا إن لم تكن منظومتنا الفكرية كلها ، فما
الإنسان غير حزمة قيم ومعتقدات وعادات!

‏وبالتالي فإننا نحكم على سلوكات الآخرين منطلقين من معتقداتنا ومنظومتنا الفكرية ،

فما وافقها كان صائبا ، وما خالفها كان خاطئاً!

للوهلة الأولى قد تجد أن باقة الورد على قبر الفرنسي أجمل من صحن الأرز على قبر الهندي ،

ولكنك لو تأملت الحادثتين بموضوعيه ‏فستجد أن باقة الورد الفرنسية ليست إلا صحن أرز هندي بأسلوب حديث!

إننا لا نعيش وحدنا على هذا الكوكب ، هناك آخرون يروننا غريبي الأطوار لأن منظومتهم الفكرية تختلف عن منظومتنا الفكرية ،

ونحن نراهم كذلك لذات السبب!

إقرأ أيضا: في إحدى أركان مترو الأنفاق المهجورة

أسهل طريقة لفهم سلوكات الآخرين هو فهم العقلية التي أنتجتها!

‏أنا هنا لا أدعو لأن نتنازل عن مبادئنا وأفكارنا وقيمنا إرضاءً للآخرين وتحقيقا لانسانيتنا ،

على العكس تماما ، أريد أن نتمسك بكل ما سلف ، ولكن في طريقنا لفعل هذا علينا أن نفهم أن المُختلفين عنا هم بشر أيضاً ،

وأننا لو عشنا ظروفهم وحياتهم لكنا نسخة عنهم.

‏إننا نتخذ من عاداتنا وتقاليدنا أداة قياس أشبه بمقياس ريختر للزلازل ،

فالإنسان عندنا هو إنسان بقدر ما يشبهنا ، وهو ليس كذلك بقدر ما يختلف عنا.

آمنوا بما أنتم مؤمنون به ، علموه أولادكم ، وكونوا فخورين به ما دمتم ترونه صواباً ،

ولكن تذكروا ‏أن هذا الكوكب هو عبارة عن فندق كبير لستم نزلاءه الوحيدين!

تتنوع العادات لأن الثقافات تتنوع ، وهذا دليل عافية ، ولولا تنوع الأذواق لفسدت السلع كما يقول ابن خلدون

وتذكروا دوما أن باقة الورد الفرنسية هي ذاتها صحن الأرز الهندي ولكننا نتقبلها أكثر لأنها خرافة شاعرية!

Exit mobile version