تعطل المصعَد في الطابِق رقم 106 و راحَ الناسُ بداخلِه يتذمرونَ الواحدَ تلوَ الآخر
إذ يعلمونَ بأن عمال الصيانة سيتأخرونَ في إصلاحه
نطق الشاب في المقدِّمة قائلاً :
” تبًّا لهذا المصعد اللعين! سأتأخر عن مقابلةِ العمل خاصتي في شركةِ التأمين.. ”
ثم أطلق ضحكة جهيرة و أردف :
” يا لسخريةِ القدر أنا على بعد طابقٍ واحد! ”
لحظتها تنحنح الكهلُ صاحبَ البدلةِ الرسمية في مؤخرة المصعد و هو يشد ربطةَ عنقه بيده اليسرى من شدة الحَرِّ قائلا :
” لا داعي للقلقِ، فالمديرُ التنفيذي للشركةِ مُحتجز معك في نفسِ المصعد ! ” (يريد نفسه)
” سيد تشانبرز! ” قال الرجل ببزةِ العمل يضع خوذة عمل صفراء على رأسه قبل أن يبسط يده إليه يريد المصافحة ثم أردف قائلا :
” مرحبا سيدي، أنا المقاول ” كيفن تيرنر ” و قد إتصلت بك قبل يومين من أجل الحادث الذي وقع بورشة البناء أمام حديقة سنترال بارك بالقرب من
فقاطعتهُ المرأة في الوسط :
” حقا إنه لأمر غريب، أنا كافيتا كيران طبيبة مشرفة في المستشفى العام
و قد أشرفت على معاينة المصابينَ في الحادثة التي وقعت في تلك الورشة ”
أطلق الشيخُ صاحب الكلب التشيواوا الواقف على يسارها ضحكة جهيرة ثم وضع يديه في جيبه و أخرج منه بطاقة زيارة قائلا :
” أنا السيد لوكاس فيتوريو، رجل أعمال سابقٍ.. أعاني من مشاكل في البنكرياس و قد أخبرني أقاربي بأنك أفضل دكتور في المنطقة يا لها من صدفة صحِّية جميلة! ”
فنطق الشاب صاحب المقابلة : ” كما يقول وليام شيكسبير لا وجود للصدف، كل شيء يحدث لسبب معين ”
” الآن صدقت هذه المقولة! ” قالت المرأة الثانية داخل المصعد ضاحكة ثم أضافت :
” أنا الصحافية كيشا وايت، أعمل كرئيسة تحرير لدى صحيفة ذا نيويورك تايمز
إقرأ أيضا: كيف تتخلص من الأفكار السلبية؟
و قد إخترتُ ليلة البارحة مقالا حول شيكسبير لعرضه في قسم قصص الصحيفة من بين 20 موضوعا ”
لوهلة خيم على المكان صمت رهيبٌ و راح الكل يحدقونَ إلى بعضهم البعض و نظرة الدهشة باديةٌ على وجوههم
” لا بد و أن القدر قد جمعنا اليوم هنا لأننا نشترك في أمر ما على الأرجح أمرٌ سيء ”
قال الشاب صاحب المقابلة راسما على وجهه إبتسامة ساخرة ثم اِسترسل في كلامه :
” لقد قرأت هذا في روايةِ كاتب عربي يُكنى بالكاتب العظيم *الأسوَد *، حيث يعلق مجموعة من الأشخاص في مصعد ناطحة سحابٍ
لإرتكابهم جريمة في حق رضيع يدعى ” آليكس ” مُصاب بمرض ذات الرئة
يقوم الأب بأخذ إبنه الذي يسعل دما و يعاني إختناقا و حمى إلى المستشفى العام لإجراء العملية
فتُخبره مشرفة الأطباء هناكَ بأن العملية ستكلفه مبلغا من المال لا يستطيعُ توفيره،
بعدها يتوجه الأب إلى ورشة البناء من أجل أن يسأل رب عمله علاوةً تعينه على جمع المبلغ اللازم لإجراء العملية
فيقابلهُ المقاول صاحب الورشة بالرفض و الطرد بعد مزايدات كلامية وقعت بينهما.. ”
ثم أوما إلى مدير شركة التأمين برأسه و تابع :
” قرر الأب أن يطلب قرضا إستهلاكيا من شركة تأمين إلا أن مديرها طلب رشوة و حين بكى الأب قهرًا،
لم يظهر المدير أية رحمة و قام بالإتصال بعناصر الأمن حيث قاموا برميه كالكلب خارج المكتب.. ”
ضحك الشيخُ بإستهتار قائلا : ” و بعدها..؟ ”
فتابع :
إقرأ أيضا: لا تحبها كاتبة
” و بعدها إِنعدمت السبل و لم يجد إلا أن يتسول، فقام بتعليق لافتة حول عنقه و كتب عليها ( إبني يحتاج إلى عملية و لا أملك مالا كافيا لمساعدته)،
و وقف باكيا عند ناصية ناطحة سحاب 40 من شارع وال ستريت راجيا أن يلتفت إليه أحد رجال الأعمال هناك
فمر أحدهم من هناك يتبعه نفرٌ من الصحافة يحملون أجهزة كاميرا يبغون تصويره،
سألته إحداهن (سيدي كيف أصبحت هكذا..؟) فرد عليها قائلا (هل ترينَ هذا المتسول الكاذب الذي يعلق لافتة كاذبة على عنقه ليستعطف قلوب الناس.. ؟
أنا لم أكن كاذبا مثله..لم أتطفل على غيري بل إعتمدت على نفسي في جني كل فلس أملكه الآن..) ”
” إنها حقا قصة مدهشة و تستحق النشر ” قالت رئيسة التحرير قبل أن يقاطعها الشاب قائلا :
” أجل لقد كانت كذلك يوما ما.. لولا أن رئيسة التحرير تجاهلت رسالة أب آليكس و لم تقم بنشرها في صحيفة مشهورة
حتى يتسنى لكل من قرأها تقديم يد المساعدة بل اِختارت عوض ذلك نشر قصة رومنسية من قصص شيكسبير ”
ثم بسط ذراعيه جميعا كمن أكمل مسرحية لتوه و أردف
” ما رأيكم؟ ”
لحظتهَا عاد التيار الكهربائي و إشتغل المصعد مجددا فضحكوا جميعا و أثنوا عليه لكسر مللهم ريثما قام عمال الصيانة بتصليح العطل
رنَّ هاتف الشاب فإسمحاهم عذرا من أجل الإجابة :
” إنها أمي ” و وضعها على مكبر الصوت فسكت الجميعُ !
” ألو أمي..”
فردت على عجل :
” ألو آليكس أين أنت ؟ لقد قلقت عليك كثيرا.. ”
أراد أن يجيبها و لكن أدركهُ سعالٌ حادٌ فأشاح بوجههِ قليلا مكمما فمه بيده و سعل سعالا
جعل فمه يقذف دما حين أبصره الحضور تملكهم الهلع و شخصت أعينهم و راحو ينظرون إلى بعضهم البعض نظرة المغشي عليه من الموت.
فتح باب المصعد و هموا بالخروج لولا أن قال آليكس بنبرة هادئة تعلو وجهه إبتسامة صفراء :
” لقد فات الأوان! ”
في ذات اللحظة سمعوا إنفجارا مدويا صادرا نحوهم.