الحب في الحياة

تقول احداهن تزوجت لمنطقة بعيدة

تقول احداهن تزوجت لمنطقة بعيدة ، لم تكن لي رغبة في ذلك سابقا ، لكن بما أنه بدا لي رجلا مناسبا قررت الموافقة على عرضه.

ومضت الأيام والأشهر وكأي عروس جديدة بدأت أشعر بالحنين لأهلي ومنطقتي ،

وبسبب مداخيل زوجي المتواضعة لم نتمكن من كراء سيارة وزيارتهم سوى مرة واحدة في السنة ،

وبسبب البعد لم يتمكن أهلي أيضا من زيارتي إلا مرة واحدة أو مرتين في بداية زواجي ،

ثم انقطعوا عن ذلك بسبب مشاغلهم المختلفة ، وهذا ما جعلني أشعر بالإحباط والخيبة والكثير من الندم.

تمنيت لو أني لم أتسرع وتريثت قليلا لعلي أحظى بنصيب آخر يكون بيته قريبا يسهل علي زياراتي ،

لكن بالمقابل حينما أنظر لزوجي وطيب معاملته لي رغم كثرة صمته ، ألوم نفسي على تفكيري السيء تجاهه ،

فلا ذنب له في هذا البعد سوى رغبته الجادة في بناء أسرة سعيدة تجمعني به.

إلى أن جاء ذلك اليوم الذي قام شقيقي الأكبر بزيارتي على حين غرة ،

أخبرني أن طريق العمل قادته للمنطقة فقرر رؤيتي والاطمئنان علي ، سررت بذلك جدا ورحبت به أشد ترحيب ،

وهذا ما فعله زوجي أيضا معه لدرجة اصراره عليه بقبول دعوة الغداء عندنا ، فوافق على عرضه.

فقمت بسرعة وارتباك كبيرين بتجهيز ما يلزم للترحيب به ، وأثناء حديثهما سويا في قاعة الضيوف ، نادى علي زوجي ،

وما إن لبيت ندائه قال لي : بعد الغداء جهزي نفسك ستذهبين لبيت أهلك برفقته.

نظرت إليه في استغراب ، لم أفهم سبب هذا الطلب المفاجئ؟ لم يخبرني عنه سابقا ، ليس من عادته اتخاذ قرارات مفاجئة هكذا!

هل شعر بتذمري من البعد؟ هل اقترفت أمرا سيئا وهو يشكو شقيقي عنه؟

لم تكن ملامح زوجي الجادة كافية لتجيبني عن تساؤلاتي الكثيرة ، فهو هكذا دوما أمام الغير ،

لا تعرف حزنه من سعادته ولا رضاه من غضبه.

إقرأ أيضا: تشاجرت كالعادة مع زوجتي لأحد الأسباب التافهة

حتى شقيقي لم يبدي أي ردة فعل ، وافق مباشرة وهذا ما جعلني أكاد أتيقن من تذمره مني وشكوتي إليه ،

والآخر يتوعده سرا بأنه سيعطيني دروسا حالما نصل للمنزل.

جهزت نفسي بسرعة وخوف مما سيحصل ، وما إن سنحت لي فرصة سؤال زوجي منفردا أجاب ببرود :

1 3 4 10 1 3 4 10

بما أن شقيقك هنا قلت ستكون فرصة مناسبة لزيارة أهلك!

وانصرف حاملا ما جهزته من أغراض لسيارة أخي حتى لا يؤخره فالطريق طويلة وليل الشتاء سرعان ما يقبل.

أراحتني كلماته قليلا ، لكنها لم تكن كافية لترضيني ، فالتزمت الصمت طوال الطريق وأنا أفكر في أمر سيء قد يحدث.

انتبه شقيقي لذلك ، فقاطع أفكاري قائلا : لا أراك سعيدة بهذه الزيارة عكس ما قاله زوجك!

زوجي! وماذا قال لك!؟ هل شكاك مني!؟
رفع من حاجبه ، وهل فعلت شيئا يستحق الشكوى؟

كلا ، لكن ربما أخطأت دون قصد ، هو كثير الصمت ، أحاول دوما فهمه لكن الظاهر أنه هو الذي لا يفهمني.

قاطعني قائلا : بل يفهمك ، ويفهمك جدا ، ولهذا شكاني ، لكن ليس منك بل عليك.

هو يعلم جيدا البعد الذي تعانين منه ، والحرمان الذي تعيشينه في كل مناسبة تحل على بيتنا دون تواجدك ،

يعلم مدى شوقك لأفراد أسرتك ، يدرك بكاءك لحظة مرض أحد إخوتك دون زيارتك واطمئنانك ،

وفرحة آخر دون مشاركتك ، يعلم ما تفعله بك جمعاتنا في غيابك ، وضحكاتنا الكثيرة كم تزيد من حسراتك ،

حتى أحزاننا الصغيرة تكبر عندك فلا تتوقفين عن اتصالاتك لعلك تشبعين بعض شوقك وتخففين جزءا من آلامك.

إقرأ أيضا: بائعة الكعك

دون نسيان قصة اعدادك للكسكس وتوزيعه على الجيران بعد نجاتي بأعجوبة من حادث مرور دون اخبارنا نحن بصنيعك ،

وكأنك بذلك تقنعين نفسك بوجودك الخفي بيننا رغم بعدك ،

تخبرينا أنك أخت لنا حتى وإن قصرنا نحن في زيارتك ،

زوجك يعلم تماما ما يفعله البعد بك فهو تماما ما يفعله به العجز أمام أشواقك ،

وبما أني أتيت لزيارتك وأخبرته أن لدينا عشاء عائلي بعد شفاء أصغر أبنائي مما أصابه ،

اختار أن تكوني متواجدة فيه لعلك تعوضين القليل مما فاتك.

امتلأت عيناي دموعا لما سمعت ، كانت المرة الأولى التي تمنيت فيها لو أني لم أذهب ،

لو أني بقيت وقتا أطول حتى أقوم بها برفقته ، وهذا بعد ادراكي حينها أن البعد لا يقاس بالأماكن كما ظننت بقدر ما يقاس بالأشخاص ،

فقد كان رغم بعد بيته أقربهم لي دون أن أشعر ، فمثلما آمنت أن لا ذنب له في البعد ،

آمن هو بأنه لا ذنب لي في عدم قدرته على اصطحابي وقتما كان الوقت مناسبا لذلك.

فكانت هذه الزيارة خير جواب منه : صحيح أن الظروف قد لا تتماشى دوما مع حقك في زياراتك ،

لكن بلا شك إن سنحت فرصة كهذه فكوني على يقين أني لن افوتها لك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?