تقول تقدم أحدهم لخطبتي وكان شرطه الوحيد للزواج هو الإعتناء بوالدته
تقول تقدم أحدهم لخطبتي وكان شرطه الوحيد للزواج هو الإعتناء بوالدته ،
أخبرني بأنه لن يطلب مني أكثر من ذلك فقط أُراعي أمه وقت غيابه ،
فأُمه طريحة الفراش منذ عشرة أعوام.
فبعد وفاة والده لم يبقى له سواها من الحياة ،
فقط هذا شرطي أمي.
أعرف بأنك لست مُكّلفة برعايتها أو خدمتها ولكن إذا وافقتي فستعملين ذلك من باب إنسانيتك وطاعة لي ، هكذا أخبرني.
كانت أمه تعرضت لحادث سير مُرعب فقدت معه التحكم في جسمها بالكامل وشُلت أطرافها ،
وكان هو القائم برعايتها ، ولكن نظرا لدراسته وعمله هناك أوقات يغيب عنها وهي بحاجه إلى أدويه ولهتمام.
فكّرت كثيراً وتحيّرت أكثر ، فهذا كأنه بحاجة إلى خادمة وليس زوجة.
تكلّمت مع والدي الذي خفف من ضجيج تفكيري وقال لي : اسمعي ابنتي هذا مستقبلك وليس لي حق التأثير عليكِ ،
ولكن طالما سألتيني رأيي فأنا أؤمن جيداً بأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ،
وشخص كهذا حريص على والدته فلن يضيعك معه ولن يظلمك حقك ، إن أحبك أكرمك ، وإن كرهك لن يظلمك ،
فإذا كنتِ ستُراعي أمه ليس بشكل يُرضيه ولكن ستضعيها في مقام أمك فاقبلي ابنتي ،
وإذا كان الشيطان سيجد بابه إلى قلبك فيحملك على ظُلمها ، فقولك لا أسلم لكِ.
تزّوجنا فعلاً ، وفي أول ليلة لي معه أخذني إلى غُرفتها ، صُعقت من منظر الغرفة كانت كقطعة من الجنة ،
ألوانها ، ترتيبها ، وسائل التدفئة فيها ، مختلفة تماماً عن باقي البيت ،
تركني واقترب من سريرها كانت نائمة أخذ يهز كتفها برفق قائلا : ماما ، لقد أحضرت هديتي لكِ ،
هذه زوجتي ألا تريدي رؤيتها!
فتحت عينيها برفق ونظرت له بابتسامة ثم حوّلت نظرها عليّ ، لا أستطيع وصف تلك اللحظة ،
تلك عيونها مليئة بألم وثغرها مبتسم بحُزن ، كان وجهها كالقمر في ليلة تمامه ، هادئ جداً لإمرأه في السبعين من عمرها.
إقرأ أيضا: تحكي احدى المعلمات دخلت الفصل وأغلقت الباب ورائي
قالت : مُبارك عليكِ بُنيتي زفافك ، وأدعو الله أن يهدي لكِ صغيري هذا ، وأن يرزُقك ولداً باراً مثله ،
وألا تكوني ثقيلة عليه مثلي ، ثم ذرفت عينيها دموعاً أشبه بفيضان سُمح له بالجريان.
سارع لمسح دموعها بكم بذلته وقال : هذا الكلام يُغضبني وأنتِ تعلمين ذلك ، أرجوكي ماما لا تُعيدها ،
واقتربت أنا منها وقبّلت يدها ورأسها وقلت : أمين ، ماما.
مرت أيامي في هذا البيت ودهشتي فيه تزيد يوماً بعد يوم ، كان هو من يُغير لها الحفّاظ ،
وكان يُحممها في مكانها بفرشاة الإستحمام ، وكان يُبلل لها شعرها ، ويُسرحه لها وعندما تألمت من المشط أحضر لها مشط غريب كان من الورق المقوي ناعم من أجل فروة رأسها ،
كان قد رآه في أحد الإعلانات التجارية.
أحضره لها ، سُرّت جداً بذلك المشط ، كان يُضّفر لها شعرها في جديلتين صغيرتين ،
كانت تخجل عندما يفعل لها ذلك وتبتسم بحياء وتقول : لست صغيرة على هذا أيها الولد ، فلتُنهي ذلك.
كان يرد : عندما يُعجب أحدهم بكِ فستشكُريني ، عندها تغرق في ضحكٍ عميق كنت أراه من خلف ذلك الضحك ينظر لها كطفل ما زال في السادسة من عمره ،
حقاً كان يُحبها ، وجدا.
لا أعرف ماذا قصد عندما أخبرني بأنه يريدني أن أعتني بها ، هو يفعل كل شيء ،
أخبرني بأن وقت خروجه وعمله يستثقله عليها بأن تكون فيه وحيدة.
كنت أستغرب كيف يجد وقت لكل ذلك ، فقط كنت أنا أساعدها في تناول وجباتها وأخذ أدويتها ، هذا كل دوري.
أحببت علاقته بها جداً ، كان مُتعلق بها وهي أكثر ،
كان يستقظ في الليل على الأقل ثلاث مرات لينقلها من جانب لآخر حتى لا تصاب بقُرح الفراش وليطمئن عليها.
كان مع كل مناسبة يحضر لها ملابس جديدة ، ويشعرها بجو تلك المناسبة بمساعدة التكنولوجيا.
إقرأ أيضا: يحكى أن رجلا دخل إلى مملكة وراح يتجول في شوارعها
وفي أحد المرات كان قد نسي إحضار حفاظاً لها ، وعندما استيقظ ليلاً للإطمئنان عليها شم رائحة قذارة ،
فعرف أنها قد أطلقتها على نفسها ، كانت تبكي جداً وتقول آسفة حدث ذلك رغماً عني ،
كان مُنهمكاً في تنظيفها وهي تبكي وتقول : أنت لا تستحق مني ذلك ، هذا ليس جزاءً لائقاً بك ،
أدعو الله أن يُعجّل بما بقي لي من أيام.
أخبرها قائلاً : أفعل ذلك أمي بنفس درجة الرضا التي كنتِ تفعليها بها في صغري ، وبكيتُ أنا ، هذا الرجل فعلاً رزق.
أنجبت منه ولد ، تمنيت أن يكون مثله في كل شيء ، فحملته وذهبت به عند جدته ووضعته في حضنها وقلت لها : أريده مثل ابنك.
فابتسمت وقالت : صغيري هذا رزق لي ، والرزق بيد الله عزيزتي ، فادعي الله أن يُربيه لكِ.
كانت حياته كُلها بركه وخير ، لم يتذمر منها قط لا أمامي ولا أمام غيري ،
كانت رائحته تفوح بالبر بأمه حتى ظننتُ أنها تكفي جميع العاقين.حج