تقول توفى والدي وأنا بنت الخامسة ، اضطرت أمي إلى المكوث في بيتنا وعدم التوجه إلى بيت أهلها رغم أني كنت وحيدتها.
أما مصاريفنا فقد تكفل عمي بها حتى كبرت وأصبحت اليوم في العشرين من العمر!
لم أنجح في دراستي ، فالتزمت البيت ، فلم يسمح لي عمي بالبحث عن عمل مثلما فعل مع أمي بسبب قوانين أسرتنا الصارمة.
فاكتفيت بتصفح مواقع التواصل وكتابة خواطري ونشر عبيرها على جدار حسابي الخاص.
لم يكن لي متابعون كثر لكني كنت سعيدة بما أكتبه عن الحب وعن الحياة والأمل!
وكأي فتاة رغبت برجل يعوضني حنان والدي الذي حرمت منه ، ويمنحني الأمان الذي أفتقده.
لكن ، لم أكن أعلم أن أحلامي ستبقى مجرد حبر على ورق ،
وأن واقعي سيصفعني بقوة ولن أستطيع حتى الكلام أو التعبير عن ألمي!
كل هذا حين أخبرتني أمي أني سأتزوج الشهر المقبل بإبن عمي الذي لا أذكره جيدا ،
فهو يعمل بعيدا عن منزلهم وحتى أني لا أزورهم دائما ،
وأن والدي هو من طلب هذا من عمي قبل وفاته وأن فاتحتنا قد قرأت منذ خمسة عشر سنة وأنا لم أكن أعلم!
حاولت الرفض لكن أمي منعتني فهي تخشى عمي كثيرا وتحترم كل ما فعله من أجلنا ،
وهذا كاف لإسكاتي وقبول الزواج دون أدنى إعتراض.
كم بكيت ليلتها ، فكم كان مؤلما شعور اليتم والظلم من أقرب الناس إليك ،
ألا يكفيني حرماني من والدي ليزوجني عمي بابنه الذي أظنه قاسيا مثله مثل أبناءه الآخرين ،
لا يهتمون برأي البنت في الزواج سواءً توافق أو ترفض!
لم أملك حينها خيارا آخر سوى قبول الأمر ، لم أكن أتوقع أني سأتزوج بهذه السرعة وبكل هاته المرارة التي أشعر بها كلما إقترب الموعد ،
ومنذ ذلك اليوم عجزت عن كتابة أي حرف ،
إقرأ أيضا: في احدى المحاضرات قامت إمرأة صعدت المنصة
أصبحت وحيدة أعتنق البكاء كل ليلة حتى إستفقت ذات مرة على صوت هاتفي الذي يرن من رقم لا أعرفه ،
أجبت مباشرة وما أن سمعت صوت رجل لا أعرفه هممت لإقفال الخط حتى خاطبني باسم حسابي :
أرجوكي لا تقفلي الخط ، ستقولين كيف تعرف حسابي أو كيف تعرف رقمي ،
سأجيبك ، أنا لست غريبا عنك ، أنا قريب منك وسأكون دوما الأقرب ،
أنا الرجل المجهول الذي إستولى على حياتك فجأة ولا تعرفين عنه شيئا ،
أنا ابن عمك الذي سبب لك الزواج منه كل هذا الحزن وأصاب قلمك الجميل بالجفاف.
كنت أعلم منذ سنوات بقصة أرتباطنا أنا وأنت ،
منذ أن كنت أوصلك إلى المدرسة في صغرك وأقتني لك الشوكولا المستديرة التي تحبينها كل يوم!
ولأني لست مثلهم حين كبرت إخترت عملا بعيدا كي أهرب من نظرات عيونك حين تعلمين بما يربطنا ،
فلا أحد سيضمن لي موافقتك ، لهذا إخترت أن أدعك تكبرين وتنضجين لآخذ رقم هاتفك وحسابك من عند أختي وأتعرف عليك أكثر ،
كنت أود محادثتك لكني عجزت عن ذلك حين رأيت خواطرك ، فقد علمت حينها أن الطريق إلى قلبك لن يكون سهلا.
فتحت حسابا من أجلك ، وفي كل مرة كنت أعلق لك بحروف جميلة وتردين لي بحروف أجمل!
أردت الإستيلاء على قلبك أولا وأنا بعيد عنك ، فقد كنت أعلم أن الحوار مع والدي ومحاولة إقناعه بالرفض لن تجدي نفعا ،
لهذا كنت أكتب لك دوما دون أن أطرق باب رسائلك حتى لا تقومي بحظري أو تظني بي سوءًا!
إقرأ أيضا: أبي غياث المكي وزوجته لبابة
ولأني رجل غيور خشيت أن تأخذك حروف غيري بعيدا عني أكثر من بعدك ،
عندها قررت طرق بابك حتى تكون كل حروفك لي أنا فقط ،
أريدك أن تكتبي لي مثلما أكتب كل يوم لك ، فأنا ببساطة أردت إيقاعك في حبي فوقعت أنا ضحية لحبك!
أنا لست سيئا ولا يمكنني إجبارك على أن تكوني لي ، لكن القدر يقيدنا لنكون معا ، وما أجمله من قدر حين ترضين به!
كنت أنصت له بقلبي وكامل جوارحي فعجز لساني عن الكلام فاكتفيت فقط بالصمت ،
ليواصل حديثه حين استأذنني قبل إرسال صورة لي ، فأنا لم أكن أعرف شكله كيف أصبح ، لكني رفضت ذلك وقلت له :
لا أريد رؤية صورة تعبر عن لحظة واحدة إلتقطت فيها لك ، أريد أن أشهد معك عمرا طويلا وأراك بكامل حالاتك.
لكنك رجل تقدس الجمال ومن واجبي إرسال صورتي لك بعد أن كبرت ، فقد لا أروق لك!
فأجابني : حبذا أن تكوني جميلة ، وإن لم تكوني كذلك سأغمض عيناي وأتحسس جمالك الخفي قربي ،
وأرجو في كل مرة لو كنت أعمى حتى أتشبع بجمال روحك!
إبتسمت بحب والدموع تتلألأ في عيناي ، خصوصا حين ختم كلامه قائلا :
إنتظريني ففي ليلة العمر موعد لقائنا الثالث بعد أن إلتقت قلوبنا أولا وأرواحنا اليوم ثانيا ،
سيكون لقائنا الأخير هو الأطول ، سيكون عمرا لن ينتهي حتى وإن إنتهينا نحن!