تقول سيدة عشت وأنا صغيرة لفترة مع جدتي

تقول سيدة عشت وأنا صغيرة لفترة مع جدتي التي لم تنل قسطا كافيا من التعليم ،

لكن رزقها الله بدلا من ذلك حكم فطرية عجيبة وإيمانا عميقا.

كانت تمر بالبيت أحيانا ظروف إقتصادية صعبة مثلما يحدث في كثير من بيوت الناس لأي سبب

(مثل ، ألا يستطيع خالي إرسال مال لها.)

ولا أدري كيف كانت تدبر أمر البيت أثناءها إلى أن تمر الأزمة بسلام.

لكن في يوم لا أنساه ، مرت جدتي بأزمة طاحنة مفاجئة لم تكن في الحسبان ،

حيث نزلت للسوق لتشتري بعض الحاجيات فضاع منها كيس نقودها أو سرقه أحدهم.

فعادت للبيت ودخلت فورا وهي شاردة نحو دولاب الملابس لتخرج آخر ما تبقى من نقود ،

ولا أنساها حين تسمرت وهي تنظر للخمسة الباقية في البيت كله.

وأمسكت بها لدقيقة كاملة تنظر إليها وكأن نهر من الأفكار والحسابات المعقدة يمر بعقلها ،

وظهرت لأول مرة في عيني المرأة القوية دموع الحيرة والعجز.

ثم كأنها قررت حلا مفاجئا ، فالتفتت إلي بحماسة وتصميم تطلب مني أن أساعدها فيما ستفعله ، لكن ما طلبته كاد يصيبني بالجنون.

طلبت مني أن أنزل لشراء عشر بيضات وربع كيلو عدس ، فظننت أنها ستطبخه لنا ، ولكن كانت المفاجأة!

أخذت تطبخ العدس في إستغراق وإتقان ، وتصاعدت رائحته الجميلة لتغمر البيت.

وسلقت البيض ، وسخنت بعض أرغفة الخبز ، ووضعت بعض الملح والفلفل في ورقة صغيرة ،

ثم أخذت كل هذا ، ونزلت إلى الشارع ، وأعطته لبعض الفقراء في الحي.

كدت أجن ..
فقد نفد ما عندنا من مال ، وكدت أصرخ فيها : على الأقل كنت أعطيني بيضة منهم ،
وكأنها قرأت ذلك في عيني المذهولة.

فقالت في إيجاز وثقة كلمتين فقط : أصبري.

رجعنا البيت قبيل العصر ، ولم يكن أمامنا إلا أن ننام لبعض الوقت.

إقرأ أيضا: جلست الزوجة على مكتب زوجها وأمسكت بقلمه وكتبت

لكننا إستيقظنا على صوت طرق مزعج لباب البيت ، فإذا بولد ممن يبيعون في السوق يسألها : كيس الفلوس هذا ، هل هو لكي.

كان سقط منها أمام محله ، ولما حاول اللحاق بها تاهت منه في زحمة السوق ،

ولأنه أمين فقد سأل الباعة حوله بعد نهاية السوق عمن يعرف بيت السيدة التي مواصفاتها كذا وكذا ،

والتي تأتينا كل أسبوع فأرشدته إحدى البائعات.

ولم تمضي ساعة ، حتى إرتفع صوت طارق آخر.

فإذا بصديق لخالي عاد من سفر ليعطينا دين عليه لخالي إقترضه قبل السفر مع هدايا وحلويات.

يومها قالت جدتي : يا ابنتي ، اللقمة تزيح النقمة.

قلت لها ضاحكة : (طيب كنا نطلع حاجة ثانية أحسن من العدس).

قالت : العدس من الأكل اللي ربنا ذكره في القرآن الكريم ، وأيضا أنا أعطيه للناس لأني أحبه.

قدمي للناس من اللقمة التي تحبيها.

Exit mobile version