نحو حياة أفضل

تقول لي : حدثني وواسِ قلبي!

تقول لي : حدثني وواسِ قلبي!
فأقول لك : وأي مواساة لقلبك أعظم من أن تعرف أن الله سبحانه يعلم ما فيه!

فإن جهل الناس فضلك ، وإن قالوا فيك ما ليس فيك ،

فما حاجتك إلى محام يدافع عنك ، وأنت بالأساس لست مُتَّهما!

إن قاضي السماوات والأرض لا ينتظر الشهود ،
فإنما ينتظر الشهود من غاب ،

وربك مطلع على المشهد كله ، ولا يحفل ببلاغة المحامين ،

فهذه يحتاجها القضاة الذين غابت عنهم التفاصيل!

يستمعون روايتها في فم إنسان لم يشهدها ،
وإنما دبجها بحسن البيان ، وحِدَّة المرافعة!

أما ربُكَّ فكان يعلمُ وقوع القضية قبل أن تقع ،
فلما وقعت ، ما زاد علمه بها شيئا!

إن علمه بما لم يقع كعلمه بما وقع!

فأصلِحْ قلبك ، فإنه موضع نظره سبحانه ، وإنه ناظِرٌ إليك ، وجازيك عما فيه ، لا عما يقوله الناس ، ولا عما تقوله أنت!

يا صاحبي ، إنَّ الله لا يُخدع! فهو لا يرانا من أعلى فحسب ، وإنما يرانا من الداخل!

من الداخل يا صاحبي ، فتأملها جيدا!

عندما كان إبن سلولٍ يصلي الفجر في المسجد خلفَ النبيِّ صل الله عليه وسلم، كان بعض الناس قد خُدعوا بتقواه ،

أما ربُكَ فكان يصدر حكمه : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار!

وعندما أتهمت الصديقة بنت الصديق عائشة في عرضها ، خُدع بعض الناس بالتهمة ، ونالوا من عرضها ،

أما ربك فأنزل البراءة قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ، شتّانَ بين قلبٍ وقلب وإن إختلفت المواقف!

يا صاحبي ، جاء أعرابي من البادية ، واحد مجهول مغمور في سواد الناس ، لا يعرفه من الصحابة أحد.

فبايع النبيُّ صل الله عليه وسلم على الجهاد والهجرة ،ثم كانت غزوة ،

خرج فيها هذا الأعرابي في غمار من خرج ذودا عن لا إله إلا الله ، ومن الله على المسلمين بالنصرِ ،

وقسمَ النبيُّ صل الله عليه وسلم الغنائم بين أصحابه ، وكان هذا الأعرابي غائبا ، فتركَ النبيُّ له نصيبه.

1 3 4 10 1 3 4 10

فلما حضرَ قيل له : تركَ لكَ النبيُّ صل الله عليه وسلم هذا!

إقرأ أيضا: همسة تربوية

فجاءه ، فقال له : يا رسول الله ما هذا؟
فقال له صل الله عليه وسلم : قسمته لك!

فقال : ولكن ما على هذا إتبعتُكَ ، ولكني إتبعتُكَ على أن أرمى بسهمٍ ههنا!

وأشار إلى رقبته ، فأموت فأدخل الجنة!
فقال له النبيُّ : إن تصدُقِ الله يصدُقكَ!

ثم كانت غزوة أخرى ، فأُتي به إلى النبيِّ صل الله عليه وسلم محمولا ، والسهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقا.

فقال النبيُّ : أهوَ هوَ؟
فقالوا : نعم يا رسول الله.

فقال : صدق اللهَ فصدَقه اللهُ!
ثم كفَّنه في عباءته ، وصلى عليه ، ودعا له ،

وكان مما سمعوا من دعائه يومها : اللهم هذا عبدُكَ خرجَ مهاجراً في سبيلك ، فقُتلَ شهيدا ، وأنا على ذلك شهيد!

يا صاحبي ، لا أعرف لكَ مواساة خيرا من هذه!
رجل مجهول لا يعرف الصحابة إسمه ، ولم تكتب كتب السيرة شيئا عنه ،

فبقيَ مجهولا بعد موته تماما كما كان مجهولا يوم جاء مُبايعاً!

فما ضره أن لا نعرفه أنا وأنت!
يكفي أن اللهَ يعرفه ، وإن جهلناه!

فلا عليكَ يا صاحبي ، لا عليك!
أخفِ الصدقة ما استطعتَ ،

فإن قيل بخيل فقد وقعتْ في يد اللهِ قبل أن يقولوا!

وقم من الليل ما وسعتك همتُكَ وحملتكَ قدماكَ ، فإن قيلَ فاتِرٌ في العبادة ، فقد علمَ اللهُ حرارة دمعك قبل أن يقولوا!

وصُمْ تطوعا فإن قيل لا يعرف إلا رمضان ،
فقد علم الله ظمأ الحنجرة قبل أن يقولوا!

يا صاحبي ، إن المرء لا يؤتى إلا من قِبلِ قلبه ،
فإن لم تؤت من هناك ، فلن يضرك شيء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?