حاملة الأموات في الليل
حاملة الأموات في الليل
كانت ليلة ممطرة حالكة السواد ، لا يضيئوها إلا لمع البروق في ربوع الأرض ،
هبت فيها الرياح الشديدة العاتية التي تكاد تقتلع الأشجار من جذورها ، ورائحة المطر تسري على الأرض التي تجشأت بماء السماء ،
كان صوت الرعد يثقب غلاف الجو من شدة هزيمه ، وكنت أنظر من نافذة منزلنا في الغرفة العلوية ، وأنا أرتجف من البرد ،
وقلبي يخفق من مشاهدة الأجواء العاصفة، فجأة وعندما أبرقت السماء لمحت تحت ضياء البروق امرأة ترتدي معطفا وتحمل بين يديها شيئاً ،
لم أتأكد منه تماماً فربما كان خيالا ، لكن عندما ضرب البرق مرة أخرى ، تأكدت من ذلك الشيء ،
فقد كانت تحمل فتاة ، كان شعرها منسدلا ، ربما كانت جثة ، تبين لي ذلك من وضعية الجسد ،
خرجت مسرعاً في إثرها ، لكني لم أجدها ، كما أن المطر الغزير أزال آثار أقدامها بسرعة ،
في الصباح كنت أترقب وألتمس خبراً عما رأيت البارحة ، وكنت أسأل هل حدث شيء البارحة؟
هل مات أحد؟ لكن كانت الأمور طبيعية ، ولم أتلق أي خبر عن حدوث شيء غريب.
كما أني لم أجرؤ على الحديث عما رأيت ، فأنا أعلم لن يصدقني أحد ، وقد يتهمونني بالكذب أو الجنون ،
بقيت أفكر في أمر تلك المرأة من تكون ؟ وأين ذهبت بما تحمل ، بل من أين جاءت؟
وفجأة خطرت لي فكرة الذهاب إلى المقبرة، فحتما إن كانت تلك المرأة تحمل جثة ، فستذهب بها إلى المقبرة.
حين وصلت إلى المقبرة ، دُهشت برؤية قبر جديد في طرف المقبرة ، لكن الشك ساورني هل القبر جديد أم قديم ،
فالمطر الذي هطل البارحة جعل كل القبور تبدو جديدة.
ذهبت إلى إمام المسجد والذي كان يوثق كل حالات الوفاة ، وأخبرته عن ذلك القبر ، أخذ معه كتاباً وذهب معي ،
وما أن وصل إلى هناك فتح كتابه يطالع صفحاته ، وهو يرمق آخر القبور ، وفجأة بدأت الدهشة تظهر على وجهه ،
إقرأ أيضا: بعد مرور خمسة عشرة عاما من الزواج
وقال لي بصوت ثقيل “إنه قبر جديد ، حُفر ورُدم ليلة البارحة ، ولا أعلم من صاحبه وهذا شيء غريب ، يستدعي التحري والتحقيق ،
فربما جريمة قتل اُرتكبت ، وأخفيت الضحية هنا ، غداً سنفتح القبر بحضور شيوخ ووجهاء القرية!
اجتمع شيوخ ووجهاء البلدة ، بعد أن قرروا فتح القبر الجديد المجهول ، وقام عدد من الشباب بالبدء في نبش القبر بحضور الجميع ،
الذين يرقبون بخوف وجلل النتائج وما سيسفر عنه النبش وما الذي يقبع تحت تراب هذا اللحد ،
وحين أزاحوا التراب في العمق ، تفاجئوا بجثة طرية لفتاة في مقتبل عمرها ملفوفة مع جنينها الميت في بطانية من صوف ،
وبدا أنها توفيت أثناء الولادة ، لم يتعرف أحد على هوية هذه الفتاة ، فهي ليست من أهل البلدة ،
وحار الناس في إيجاد تفسير لهذه الحالة الغريبة ، لفت انتباه أحدهم ورقة صغيرة في داخل البطانية ،
تبين أنه كرت يعود لطبيب القرية ، استدعوا الطبيب حالا للمساءلة عن سبب وجود كرت يخصه مع الجثة ،
فقال: أن ليلة البارحة وأثناء المطر سمع قرعاً على باب بيته ، وحين فتح وجد امرأة مرعوبة تحمل فتاة حبلى تعسرت ولادتها ،
فأدخلها للبيت، وأجرى عملية ولادة لها ، لكنها توفيت بعد إنجابها طفل ميت ، ولم يتسن له السؤال عمن تكون هذه المرأة ومن أين هي ،
وربما سقط كرته سهوا من جيبه أثناء العملية ، لم يصدق الناس كلام الطبيب ، حينها تقدمت وأدليت بما رأيته البارحة مؤكداً كلام الدكتور ،
وما زال الشك يساور الجميع ، لكن أحد كبار السن تقدم من الجموع الحائرة ، وقال: أنصتوا لي يا جماعة واسمعوا قولي:
إقرأ أيضا: قصة فتاة باعت جسدها على الإنترنت بـ 5 آلاف
قبل زمن طويل حكي عن امرأة كانت تعيش هنا ، وكانت لديها بنت حامل تركها زوجها وسافر بعيداً ،
وفي ليلة ممطرة عاصفة الأجواء ، حانت ولادة الفتاة واشتد عليها المخاض ، وتعسرت ولادتها ،
ولم تستطع أمها المكلومة مساعدتها ، ولم تستطع تركها وهي تواجه الموت ،
فحملتها بين ذراعيها وخرجت في العاصفة تبحث عمن يساعدها ، لكنها لم تجد مساعدة أبداً ،
ففي تلك الليلة أغلق الناس بيوتهم من شدة الرياح والرعد والمطر ، يقال أنها قرعت كل البيوت ولم يسمعها أحد ،
فظلت تمشي حاملة ابنتها وتاهت في الزمن في دورة أبدية لا نهاية لها ، ومنذ ذلك الحين ،
تظهر هذه المرأة وهي تحمل ابنتها المتعسرة ترجو المساعدة ، تظهر في الليالي العاصفة الممطرة ، تظهر بين زمن وآخر ،
وعلى مدى سنين طويلة ، ويبدو أنها أخيراً وجدت المساعدة ، فهدأت روحها الهائمة ، بعد أن دفنت ابنتها لترقد بسلام.