حسن التربية
كالعادة كان اليوم الدراسي يمر بهدوء وسلام ، بعدما عاد الطلاب من الإستراحة ، دخل معلم الرياضيات للصف بعدما تبادل التحية بينه وبين طلابه.
أخبرهم أن يقوموا بإخراج الألواح الإلكترونية الخاصة بهم التابلت ، ليقوموا مراجعة درس الأمس سريعا ، والبدء في درس اليوم.
قام الجميع بفعل ما طلب منهم ، فيما عادا (وليد) الذي أخذ يبحث بداخل حقيبته عن الجهاز الخاص به ، فلم يجده ،
بدى عليه التوتر الشديد وأخذ العرق يتصبب من جبينه ،
أعاد البحث عده مرات ، لدرجة أنه قام بإفراغ محتويات الحقيبة بالكامل على الطاولة الموضوعة أمامه فلم يعثر له على أثر.
مما جعل المعلم ينتبه إليه ، وخاطبه متسائلا :
ماذا هناك يا”وليد” ؟
الجهاز الخاص بي غير موجود.
وأردف قائلا : يبدو أن هناك من قام بسرقته.
توجهت أنظار الطلاب جميعا نحو زميلهم ، بينما بدى الإنزعاج على وجه المعلم ، فاقترب منه وهو يخاطبه قائلا :
ربما تكون قد نسيته بالبيت.
لا أنا واثق من أنه كان بحوزتي ، بالتأكيد أن هناك من قام بفتح الحقيبة وأخذه منها.
لفت المعلم نظره لعدم إلقاء التهم على زملائه بدون بينة ، وأنه لابد أن يكون واثقا مما يقول ، فأكد للمعلم أنه واثق كل الثقة مما قال.
عاد المعلم أدراجه ووقف كعادته في مقدمة الصف وتحدث لباقي الطلبة قائلا :
إذا كان أحدكم قام بأخذ الجهاز الخاص بصديقكم على سبيل المزاح فهذا أمر لا يصح ،
ويجب أن يقوم باعادته الأن ويقدم اعتذار له.
يهدف المعلم لحل الموضوع بشكل ودي وفي نفس الوقت لا يريد أن يتهم أحد طلاب الصف بالسرقة بدون بينة ، لم يتلق أي إجابة.
إقرأ أيضا: تسع حاجات ضرورية للطفل
عاد يكرر حديثه قائلا : سوف أنتظر بالخارج لخمس دقائق وعلى من فعلها أن يفكر جيدا ويقتنع بخطأ ما فعله ،
وأن يقوم بإعادة ما أخذ ، وأن يطلب السماح على ذلك المزاح الثقيل.
قالها وانصرف للخارج على أمل أن يقوم من أخذ الجهاز باعادته مرة أخرى وينتهي الأمر ،
عاد للداخل بعد إنقضاء المهلة ، بداخله الكثير من الأمل أن يكون ذلك الموقف قد انتهى.
للأسف لم يحدث جديد ، ظل جميع الطلبة صامتين ، لم يقم أيا منهم بالإعتراف بفعلته ،
لم يجد مفر من أن يقوم بمراجعة كاميرات المراقبة لمعرفة من الفاعل ، أخبرهم بذلك وهو يتحدث إليهم قائلا :
سوف أعطيكم دقيقة واحدة لمراجعة أنفسكم ، وبعدها سأبدا في مراجعة الكاميرات.
ظل الصمت يخيم على الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ،
فتوجه المعلم للخارج ليخبر إدارة المدرسة بما حدث ويطلب منهم مراجعة الكاميرات لمعرفة من فعلها.
بعد مراجعة الكاميرات أثناء فترة الإستراحة ، وجد المعلم أنه لم يقترب أي طالب من حقيبة (وليد).
تعجب مما يحدث ، ترى أين ذهب ذلك اللوح الإلكتروني؟
عاد يكرر سؤاله مره أخرى ل (وليد) إذا ما كان واثقا أنه قام باحضاره من البيت ، فأكد له ذلك الأخير أنه فعل.
زادت حيرته كثيرا ، لكنه انتبه فجأة لأمر ما ،
فعاد يسأل (وليد) قائلا :
هل هناك ربط بين اللوح المفقود وهاتفك الخلوي؟
بدت السعادة على وجه (وليد) ، فلقد أنساه فقد اللوح هذا الأمر تماما ، رد على المعلم قائلا :
نعم لقد فعلت ذلك منذ اليوم الأول لاقتنائه.
قالها وهو يخرج هاتفه الخلوي وأخذ يبحث عن موقع اللوح الإلكتروني ، لكنه لم يظهر أمامه.
أخبر المعلم بالأمر ، فاقترب منه ممسكا بالهاتف لعله يتمكن من الوصول لشيء ،
لكن آماله تبددت سريعا بعدما لم يظهر له أي إشارة تدل على موقع اللوح ،
مما يدل على أنه مغلق ، لم يكد يفكر في الأمر حتى بادره (وليد) قائلا :
إقرأ أيضا: من تجارب الحياة الواقعية
مما لاشك فيه أن من قام بأخذه قد أغلقه حتى لا نستطيع التوصل إليه ، والحقيقة أن الشك يساورني تجاه اثنان بالصف.
وضع المعلم يده على كتفه وهو يخاطبه قائلا :
احذر من إلقاء التهم بدون دليل فهذا أمر خطير ، وما لا ترضاه على نفسك لا ترضاه على غيرك.
طأطأ (وليد) رأسه خجلا وهو يتمتم قائلا :
أرجو أن تلتمس العذر لي ، ففقد اللوح أصابني بالتوتر الشديد.
ربت المعلم على كتفه وهو يعده بأنه سوف يبذل قصارى جهده لإيجاده ،
ولكن الأن يجب أن يقوم بشرح الدرس ، فلم يعد متبقي من الوقت سوى القليل.
بعد إنتهاء الحصة ، خرج المعلم من الصف وأمر اللوح المفقود لا يفارق تفكيره.
أخذ يراجع كل ما دار في عقله ، (وليد) واثق تماما من أنه قام بإحضاره من المنزل ،
وعند مراجعة الكاميرات لم يقترب أحد من حقيبته ، إذن أين فقد الجهاز؟
ما أن قام بطرح ذلك التساؤل ، حتى خطر على ذهنه أمر لم يفكر به من قبل ، عاد بسرعة للصف ،
أخذ وليد برفقته وهو يسأله عن رقم الحافلة التي كان يستقلها عن حضوره للمدرسة في الصباح ، أخبره وليد عنها.
سارا جانبا إلى جنب بسرعة حتى وصلا لموقعها ، صعد المعلم إليها بسرعة ووليد يتبعه ،
قام بسؤال ذلك الأخير عن موضع جلوسه ، فأشار لأخر مقعد بالحافلة ، توجه المعلم إلى حيث أشار له.
نظر على المقعد فلم يجد شيء ، انحنى لينظر أسفل المقعد ، ما أن فعل حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة ،
فلقد رأى الجهاز ملقى أسفل المقعد ، مد يده ليتناوله.
إقرأ أيضا: يقول أحدهم لا أستخدم سوطي ما دام يجدي صوتي
ما أن اعتدل حتى قام برفعه عاليا ، بمجرد أن رأى وليد ما حدث ،
حتى ركض نحوه سريعا وهو يحتضنه بشدة ويشكره على حسن صنيعه.
أخبره المعلم أنه لا داعي لشكره فهو لم يفعل شيء ،
ولكنه أخبره بضرورة أن يقدم اعتذار لزملائه في الصف الذين قام بإتهامهم بالباطل وبدون أي دليل.
بعد مرور عشر دقائق ، كان وليد يقف في مقدمة الصف يقدم إعتذار لزملائه عن ما صدر منه ،
وعيناه تدمعان بشدة خجلا من سوء نيته تجاه أصدقائه.
بعدما أنهى وليد)حديثه وهم بالإنصراف ، استوقفه المعلم وقام بجذبه برفق من ذراعه ، حتى أصبح بجواره ،
وبدأ المعلم يتحدث قائلا : ماحدث اليوم يا أبنائي درس لكم جميعا ، فلقد تعلم “وليد” أن لا يتسرع في إصدار الأحكام بدون دليل.
ولكن الدرس الأهم الذى أتمنى أن تتعلمونه جميعا ، أن الإعتذار والإعتراف بالخطأ من شيم الرجال ،
ولا يضعف صاحبه بل يقويه ويجعله كبير في أعين الأخرين.