حكاية أبو البنات
يحكى عن جارين تقيّين إسم أحدهما صالح ، والآخر مصلح ، قرّرا يوما الزّواج ، ولصداقتهما الكبيرة ، تمّ ذلك في نفس اليوم.
مرّت الشّهور وأنجبت زوجة صالح غلاما ، فأسرع ليخبر صديقه ، وعلم أنّ الله رزق جاره بنتا جميلة.
وفي العام التالي أنجبت زوجته مرّة أخرى غلاما جميلاً ، فأسرع ليزفّ ذلك الخبر إلى جاره ،
وعلم أن الله رزقه بنتا ثانية.
كان صالح يعتقد في قرارة نفسه أن إنجاب الأولاد أفضل من إنجاب البنات.
فأخبر جاره يوما وقال له : هل تعلم أنّ الزّوجة التي تنجب أولاداً يصبح مهرها حلالاً؟
فتكون أنت مثل من لم يدفع مهراً عند الزّواج.
لكنّ مصلح كان لا يهتم بتلك الخرافات ، وكان يؤمن بأنّ الأطفال نعمة من عند الله لا فرق بين الذكور والإناث ،
وغادر صالح بيت صديقه دون أن يقتنع بما قاله جاره عن حكمة الله.
وبعد عام أخر علم صالح بأن الله رزقه بغلام ثالث بهي الطلعة ، واستغرب أن يجد عند جاره بنتا ثالثة ،
فقال لجاره ، لقد رزقني الله ثلاثة أولاد مثل ركائز الموقد ، فتثبت عليها قدر طعامي ،
لكنّ البنات ليس لهنّ نفس الخصال ولا تثبت علينّ قدر الطعام ، فلم يجبه مصلح أبو البنات.
افترق الصديقان وعاش كل منهما في مدينة ، ومرّت الأيام والسّنوات ، وكبر الأطفال وأصبحوا شبابا وبنات.
وذات يوم قرّر مصلح أبو البنات زيارة صديقه صالح أبو الأولاد ، وعندما دخل داره وجدها قذرة ،
وصديقه نحيلا وشاحبا فسأله عمّا يحصل عنده.
فقال له صالح : لقد طلقت زوجتي لأنّها أنجبت بنتا ، وبقيت مع الأولاد الذين لا يتقنون فعل شيء سوى طلب المال ،
وعندما سأله لمذا لم تتزوّج ثانية ، قال له بصراحة كنت أخشى أن تنجب إمرأتي بنتا ، لا يمكنني قبول هذه الفكرة.
إقرأ أيضا: يحكى أن رجلا عاد من العمل باكرا
عندما كبر الأولاد قليلا تركوني ، وراح كل واحد في سبيله ، لم ينسوا أني كنت يوما سببا في حرمانهم من أمّهم ،
وأنا أظل كما ترى جائعا حتّى يشفق عليّ أهل البرّ الإحسان.
ضحك مصلح وقال له : هل تتذكّر عندما قلت أنّ الأولاد هم ركائز موقدك ويثبت عليها قدرك ليس لك لا موقد ولا قدر يا صديقي.
أبو البنات ينام متعشّي ، وأبو الأولاد ينام على جوع ، فبناتي الثلاثة يعتنين بالمنزل كلّ يوم ،
ويحضرّن ما تيسّر من الزّاد ، لم أشعر يوما بالحاجة إلى شيء.
الله جعل في كل شيء حكمة وقدر ، كل شيء ، لكنك كنت أسير العادات البالية فجنيت على أولادك وزوجتك ونفسك ،
وليكون ذلك عبرة لمن يعتبر.
فأصبح المثل يضرب في هذه المواقف دائمًا مازال العديد من الأشخاص حتى وقتنا الحاضر يفتخرون بإنجاب الأولاد عن البنات ،
رغم أنهم هبة من عند الخالق ، وكان الرّسول يحب بناته فاطمة ، ورقية ، وأم كلثوم ، وزينب ،
فليكن لكم بالنبي أسوة حسنة معشر الرّجال.