قصص منوعة

حكاية أليفة الجزء الثالث

حكاية أليفة الجزء الثالث

قال حسنا يا ابنتي يمكنك البقاء ولكن بشرط أن تلبسي الأسود مثلنا ، أشار إلى كبيرة الخدم أن أكرميها.

خاطبت المرأة أليفة بعصبية : هيا امشي أمامي وإياك أن لا تطيعي الكلام ،

أنا هنا الكل بالكل وكلامي بعد كلام ملكي مهما كانت طلباتي ستقولين لي أمرك يا سيدتي.

كان الملك حزين جداً ويجلس في الظلام ،
ألبست بعض الخادمات أليفة ثيابا سوداء وارينها واجباتها في المطبخ ،

وهناك قابلت صديقة شابة مثلها كانت تعمل هي وأمها في المطبخ ،

كانت الفتاتان تستغلان أي فرصة لتتهامسا وتضحكا ولكن ما أن تدخل الكبيرة حتى يعم الصمت خوفا.

وبعد عدة أيام سألت أليفة صديقتها عن سر حزن سكان هذا القصر واتشاحهم بالأسود ،

وأين ملكة القصر والأمراء لماذا لم ترى أحداً منهم؟

فأجابتها صديقتها : بأن أمير هذا القصر الوحيد ابن الملك كان شابا شديد الوسامة ورجيح العقل ،

وقرر والداه أن يزوجاه ليفرحا به وبدأوا بالتخطيط للتقدم لإبنة أحد الملوك.

ولكن صباح يوم الخطبة اختفى الأمير من القصر قلب والده المملكة رأسا على عقب ولكنه لم يجده ،

ومرضت أمه لفراقه وماتت حزنا على ولدها الوحيد.

ومنذ شهور والحزن مخيم على حياتنا حزناً على أمير مفقود وحزن على أب مفجوع وحزن على ملكة ماتت قهرا.

قاطع حديث الفتاتين صراخ الكبيرة ونهرها لهن لانشغالهن عن العمل.

عاشت أليفة في القصر كخادمة ولكن خوفها من معرفة السيد لمكانها لم يفارقها ،

وعلى الرغم من هذا الرعب الذي كان يسكنها وجهلها بأي أرض ومع أي أناس هي إلا أن ذلك لم يمنعها من ملاحظة شيء غريب.

فالكبيرة كانت كل صباح تجمع خبزا يابسا وماء تسلق البطاطا والبيض المالح وبقايا اللحم المتعفن ،

وتضعها في خرج وترميه خارج النافذة ولم يكن أحد يتجرأ بسؤالها عن السبب.

إقرأ أيضا: ظننته لصا

والشيء الآخر أنها كانت دائما تصر على تحضير عشاء أهل القصر كلهم من خدم وأسياد لوحدها ،

1 3 4 10 1 3 4 10

دون أن تسمح لأحد بدخول المطبخ معها على الرغم من أنها لم تكن تقوم بأي عمل سوى الأوامر والتوبيخ والصراخ طوال اليوم ،

ولم تشارك بإعداد أي شيء فلماذا تأخذ مسؤولية كل خادمات المطبخ فقط وقت العشاء ؟

كان كل الخدم والعبيد والجواري يخافون أن يطرحوا ذلك التساؤل على الرغم من مروره بخواطرهم.

وفي ليلة من الليالي قررت أليفة أن لا تتناول العشاء فرمته خلسة أمام حيوان أليف يتجول في القصر لم تعرف ماهيته حتى ،

هل هو هر أم كلب أم طائر.

أنهى الكل عشائهم وبدأوا بالتثاؤب واتجهوا لمقصورات نومهم ولم تمر ثوان حتى غط الجميع بنوم عميق ،

إلا أليفة التي تظاهرت بالنوم فقط.

لم تمض دقائق حتى دخلت الكبيرة مقصورة الخادمات وكانت تمر على كل سرير على حدة وكأنها تتأكد من نومهم ،

وعندما وصلت لسرير أليفة إذا بها تحمل دبوسا ووخزت به قدم الشابة التي كتمت صرخة ألمها لتظنها الكبيرة نائمة مثل الباقي ،

وما أن تأكدت من نوم الجميع حتى خرجت من القصر على جناح الظالمة.

لحقت بها شابتنا الفضولية خلسة وإذا بها تتجه إلى نافذة المطبخ من الخارج لتحمل خرج الطعام العفن والماء المالح الآسن وتتجه نحو غابة كبيرة.

استمرت أليفة بملاحقتها لتراها تدخل إلى كهف مغطى بأشجار كثيفة ،

وما إن دخلت حتى علا الصراخ والأنين طلبا للرحمة والنجدة كان صوتا ذكورياً متعبا واضح من يكون.

اختبأت أليفة خارج الكهف وانتظرت الكبيرة لتخرج وصارت تمشي ورائها لتضع علامات تميز بها الطريق ،

حتى تعود وتتأكد من هوية الشخص في الكهف.

إقرأ أيضا: كيد الرجال

خرجت الكبيرة وكان الخرج فارغا لحقتها أليفة بخفة ودخلت ورائها إلى القصر ،

واتجهت مباشرة إلى سريرها حتى لا تحس تلك الكبيرة باختفائها.

في صباح اليوم التالي ادعت أليفة أنها مريضة وراحت تبكي ويعلو صراخها وأنينها ،

نادت بعض الخادمات للكبيرة التي مرت عليها الحيلة.

فقالت لها : حسنا اليوم إجازة ابقي في سريرك ولكن غدا ستعملين لو كنتي تحتضرين.

فرحت أليفة وانتظرتهن حتى يتجهن لأعمالهن الكثيرة وينشغلن عنها ولمعرفتها باستحالة عودتهن إلى المقصورات.

قبل وقت العشاء خرجت من نافذة المقصورة خلسة وراحت تبحث عن العلامات التي حفظتها وتتبعها ،

إلى أن وصلت إلى الكهف وجدت شاب مقيد بالأصفاد احتجزته الشريرة.

أزاحت الأغصان التي كانت تغطي مدخل الكهف ودخلت لتشاهد منظرا يكسر القلب ،

لقد كان شابا نحيلا لباسه ممزق ووجهه مغطى بجروح وكدمات ودماء متخثرة.

كان مقيد اليدين والقدمين اقتربت منه فشعر بوجودها ونادى لا شعورياً :

الرحمة يا كبيرة ولكنه لم يرى تلك الغولة بل رأى شابة جميلة وراح يترجاها أن تسقيه الماء.

سقته بعض الماء من قارورة كانت تحملها وراحت تسأله : من أنت ولم هذا حالك؟

قال أنا الأمير الهمام أمير القصر وابن ملك الجان الأزرق وقد حاولت خادمة أبي هذه أن تجبرني على الزواج منها لتصبح ملكة ،

وعندما رفضت ونهرتها خطفتني ليلة خطبتي وراحت تضع عشبة منومة لسكان القصر حتى تستطيع القدوم إلى كل ليلة دون أن تنكشف جريمتها.

وقد وعدتني بأن لا أرى الحرية وضوء الشمس حتى أتخذها زوجة لي ،

وأنا هنا منذ شهور أرجوكِ أنقذيني أخبري أمي وأبي بحال.

صُدمت أليفة وحزنت لحال الشاب ولكنها خافت من أن لا يصدقها أحد أو تشعر بها الكبيرة ،

وعندها ستقتلها دون أي تفكير وهنا خطر في بالها فكرة ذكية.

إقرأ أيضا: حكاية أحلام الشجرات الثلاثة

طلبت من الأمير قطعة من لباسه الممزق وعلامة يعرفه بها أبوه ،

أخذت الخرقة وخرجت مسرعة وأعادت مخرج الكهف إلى حاله.

أسرعت الخُطى لتصل إلى القصر وهي مرتعدة من فكرة انكشاف كذبتها ،

ولكن الحمد لله كان الوضع في المقصورة كما تركتها دخلت فراشها بسرعة.

في صباح اليوم التالي أيقظتهم الكبيرة ليقمن بأعمالهن اليومية وتفاجأت بأليفة تطلب منها السماح بمقابلة الملك ،

غضبت منها الكبيرة وراحت تستفسر منها عن السبب تارة وتسخر منها تارة أخرى.

فقالت لها أليفة : كما تعرفين أنا انسية وقد اشتقت لأهلي وأرغب بزيارتهم وسأهديكِ هذه الأقراط الذهبية إذا وافقتي ،

ولو قابلت الملك لك عقد أجمل من القرطين حتى انبهرت الكبيرة بالقرطين ووافقت حالا ،

واتجهت إلى غرفة الملك تنشده طلب أليفة مقابلته.

وافق الملك وذهبت أليفة إليه.

سألها الملك عن حاجتها؟
فأخبرته أنها ترغب في الحديث معه على انفراد.

وافق الملك وأخرج الجميع من حرس وخدم ونبلاء وسألها : ما حاجتك يا ابنتي؟

اقتربت منه وهمست قائلة : سيدي أنا أعلم مكان همام وقد أرسل معي هذه الخرقة من لباسه وبعلامة الحصان العربي الذي أحضرته له من بوادي الإنس ،

فطلبت منه الهدوء وإلا قد تقوم الكبيرة بالهرب وإخفاء الأمير إلى الأبد لو هي سمعت حديثهما ،

وراحت تحدثه عن خطة كشف حقيقة هذه المجرمة بالجرم المشهود.

طلبت منه أن لا يتناول طعام عشاء الليلة هو وبعض فرسانه الأقوياء الموثوقين ،

وبعد خروجها يخرج هو وأليفة والفرسان ورائها لينقذوا همام.

أُعجب الملك برجاحة عقلها ووافق على الخطة وفعلا حل المساء وقدمت الخادمة العشاء.

إقرأ أيضا: حكاية أليفة الجزء الأخير

تخلص الملك خمسة من فرسانه وأليفة من طعامهم في القمامة وغطوها ببعض الأوراق حتى لا يُكشف أمرهم ،

ومشت الخطة بالتمام والكمال ولحقوا بالشريرة واعتقلوها بالجرم المشهود.

وعاد الأمير إلى قصر أبيه وسط الزغاريد والأغاني والزهور وعم الفرح المملكة.

وأعلن الهمام امتنانه لأليفة وأعلن حبه ورغبته بالزواج منها.

وما إن تعافى من تدهور صحته حتى قام الزفاف والأفراح والليالي الملاح أصبحت أليفة الملكة وحملت بولي عهد صغير أنجبته بعد تسع شهور ،

ولأن الماضي يستحيل أن يترك الإنسان فقد لاحقها ماضيها.

في قمة سعادة أليفة هي وزوجها الهمام وابنهما الجميل مر بائع متجول ينادي على بضائع متنوعة من بلاد الإنس ،

وسائر بلاد الجن صاح له الأمير وطلب رؤية بضاعته وكان من جملتها سرير مهاد شديد الروعة مصنوع من الذهب وعاج الفيلة.

اشتراه همام لإبنه ولكنه لم يعلم أن هلاك الطفل سيكون بهذا المهاد ،

فالبائع لم يكن إلا سيد العين والسرير لم يكن إلا سريراً مسحوراً مصنوعا من الأفاعي والعقارب.

وما إن يدخل إليه الطفل حتى تلدغه تلك الأفاعي وتقتله دون أن يدرك أحد بسبب التعويذة التي عليه ،

وهذا ما حدث.

وضعت الأم المسكينة طفلها في السرير وخرجت لأمر ما.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?