حكاية أليفة الجزء الثاني
حمل سيد العين أليفة على ظهره وسط بكاء الأب وبكاء الطفلة وقال له هيا اذهب حتى لا تؤلم قلب الصغيرة ،
وقال لها تمسكي جيداً يا ابنتي ونزل تحت العين وأغلقت الأرض ثانية.
صار سيد العين يطير إلى الأسفل بسرعة كبيرة ، وأخبر أليفة بعد فترة من طيرانه :
انظري إلى أعلى يا ابنتي كم حجم الأرض فوقك.
فقالت له : هي بحجم سفرة الطعام المستديرة في بيتنا فقال : إذا لم نصل بعد طار الرجل وطار وطار وسألها : والآن يا ابنتي؟
قالت له : هي بحجم رغيف الخبز الذي تصنعه أمي.
فقال : إذا لم نصل بعد.
وعاد الشيخ إلى الطيران بسرعة وسألها : والآن يا ابنتي ؟
قالت : أصبحت بحجم البيضة التي تضعها دجاجتنا.
فقال لها : إذا وصلنا الآن.
أخذ العجوز أليفة وانطلق بها إلى أعماق المياه ، حط السيد رحاله على أرض غريبة لا تشبه قرية أليفة التي مرت سنين وهي على ظهر سيد العين ،
فها هي قد أصبحت شابة شديدة الجمال في العشرينات من عمرها وكأن الزمن في عالم السيد يختلف عن الزمن على أرض سكان أليفة.
وقف السيد وأليفة أمام قصر كبير وموحش أكبر من قرية أليفة كاملة ،
تحيط به الأشواك والأشجار اليابسة وقال لها : تفضلي يا ابنتي هذا بيتك الجديد.
دخلت أليفة وإذا بقصر مهيب أمام عينيها مليء بأثاث وستائر جميلة ،
راحت تتأمل بإعجاب شديد القصر فقاطع ذهولها السيد المسن قائلا :
يا ابنتي أنتِ ملكة هذا القصر وكل القصر في خدمتك ستجدين في الأعلى واحد وعشرين غرفة ،
عشرون منها تحتوي على كل ما تحتاجينه من طعام وشراب وتسالي ولباس وأحذية وزينة ،
وأما الواحدة والعشرون فهي غرفتي ومحرم عليكِ دخولها والويل ثم الويل لكي إن دخلتيها.
إقرأ أيضا: الرزق الحلال يساوي وزنه ذهبا
أما أنا فأنام شهور الصيف والربيع وأستيقظ شهور الشتاء والخريف ،
وكما تعلمين فنحن في بداية أيلول وحان وقت نومي يا ابنتي اعتبري نفسك في منزلك وسأراك في بداية الربيع.
دخلت أليفة وإذا بقصر مهيب أمام عينيها مليء بأثاث وستائر جميلة.
ذهب الشيخ وبقيت الشابة وحدها فقررت اكتشاف القصر.
دخلت الغرفة الأولى فكانت كجنة أطعمة كل ما تشتهيه النفس من طعام لحوم ودجاج وخضار مسلوقة ومقلية ومشوية ،
وأرز ولبن وجبن وبيض وخبز ساخن وكل ما لذ وطاب.
تناولت أليفة الطعام حتى أحست بالتخمة ووضعت رأسها ونامت من شدة التعب.
إستيقظت بعد فترة وخرجت من الغرفة لتدخل التي تليها وإذا بها مليئة بالحلويات من كل الأشكال والألوان ،
وبعدها غرفة مليئة بالفاكهة وبعدها غرفة مليئة بأنهار مما لذ وطاب من أشربة وعصير وحليب وعسل ،
ولباس وأحذية ومجوهرات وزينة للوجه وللشعر وألعاب ودمى وحيوانات أليفة وكل ما تشتهيه الأنفس.
وفي الغرفة العشرين رأت عيني ماء واحدة من الذهب والآخر من الفضة ،
صارت تغتسل بعين الفضة فأصبح جسمها ووجهها أبيض مثل الثلج و يلمع بشدة كالفضة وتغسل شعرها بعين الذهب فتحول من الأسود للأشقر.
بقيت أليفة على هذا الحال تتنقل بين الغرف تأكل وتشرب وتتزين وتتسلى بالألعاب ،
والحيوانات الجميلة ولكن الملل بدأ يتسلل إليها والفضول القاتل أعماها.
فخرجت يوما من إحدى غرفها لتقف عند باب الغرفة المحرمة كان بابا خشبيا أسود ضخما وقفت أمامه والفضول يأكلها ،
تريد أن تعرف هل السيد فعلا نائم لماذا حرم عليها الغرفة؟
هل يعقل أن يكون ما فيها أفضل وأجمل من باقي الغرف؟ أسئلة كثيرة دفعتها لتفتح الباب غير آبهة بتهديد السيد ووعيده.
إقرأ أيضا: قصة فراسة الفتاة البدوية العربية
غرفة خالية تماماً إلا من سلم طويل على جدارها المقابل للباب يسودها الظلام الدامس ورائحة الغبار والعفن.
دخل الضوء من الخارج إلى الغرفة نظرت أليفة حولها أين السيد؟ ليس نائما في الغرفة لا بد أنه السلم أكيد أنه يقود لمكان آخر.
صعدت أليفة على السلم الخشبي درجة درجة لا تعرف ما ينتظرها في الأعلى ،
وصل بها السلم إلى أرض واسعة.
يا إلهي إنصدمت مما رأت.
ما هذا إنها قبور عشرات بل مئات من القبور.
صعدت أليفة على السلم الخشبي درجة درجة ،
خافت أليفة خوفاً شديدا ولكن الخوف لم يكن كافياً ليردعها ،
وضعت قدمها على أرض المقبرة وراحت تمشي بهدوء ،
تفاجأت ببعض القبور مفتوحة وخالية فجأة سمعت صوتاً غريبا التفتت لترى ما هو وهي مختبئة وراء شاهدة أحد القبور ،
توقف قلبها وجمد الدم في عروقها من هول المنظر الذي رأته !
كان السيد عاريا تماما منحني الظهر يقف على أربع كحيوان ضاري ويصدر أصوات زمجرة مرعبة ،
وما هذا يا إلهي إنها يد آدمي في فمه وهو ينهشها بوحشية.
رأت السيد في هيئة بشعة وهو عاري تماما ، ارتعبت الفتاة وصرخت صرخة لفتت نظر السيد إليها ،
نظر إليها بعينيه اللامعتين وراح يركض باتجاهها وهي تركض إلى السلم.
نزلت عنه بسرعة وأوقعته أرضا على أمل أن يؤخر ذلك نزول الوحش إليها ،
ركضت في أنحاء القصر إلى مدخله حتى وصلت للباب وراحت تدفعه بقوة ليفتح.
صارت تسمع صوت زمجرة السيد في الطابق العلوي وبكل ما أعطيت من قوة دفعت الباب وخرجت وصارت تركض في المجهول ،
تركض وتركض بين أشجار وصخور ضخمة والوحش السيد يلاحقها يا إلهي ! لم تعلم إلى أين ومن تلجأ.
وفجأة لم تعد تسمع صوته ، فجلست وأسندت ظهرها إلى صخرة وراحت تنظر حولها إلى هذا العالم الغريب وصارت تبكي وتندب حظها وتلوم أباها على فعلته.
إقرأ أيضا: حكاية أليفة الجزء الثالث
ومن شدة تعبها غرقت في نوم عميق ، وبعد نوم طويل استيقظت على صوت كائنات غريبة تسمعها أول مرة ،
تتبعت الصوت فرأت نفسها أمام قصر منيف مغطى بالسواد وتعلوه رايات سوداء وكانت الأصوات تأتي من حظيرة ذلك القصر.
دخلت الشابة الخائفة الجائعة إلى الحظيرة ورأت حيوانات غريبة تشبه قليلا ما كان في قريتها ،
كانت طيورا كبيرة الحجم كحجم النعجة وبيوضها بحجم الشمام وكانت الخيول برأسين وست أرجل ألوانها زرقاء وخضراء.
كانت الأبقار ضخمة جداً وأثدائهن الكبيرة تسيل سائلاً ذهبي اللون ،
ولشدة جوع الفتاة قربت فمها من ثدي إحدى البقرات بنية الشرب وعندما لم تبدي البقرة أي ردة فعل ،
راحت الفتاة تشرب وتشرب كان السائل حلوا كالعسل وفيه قليل من الحموضة.
ولكن فجأة دخلت إلى الحظيرة إمرأة ضخمة سوداء البشرة طويلة الجسم بأنف كبير وعينين صفراوتين وشفاه غليظة ،
وكانت تتشح بالسواد من رأسها لأخمص قدميها.
صرخت بصوت عال كأنه دق الطبل وقالت : من أنتي ما الذي جاء بك إلى هنا؟
أمسكت بيد الشابة التي كانت كالطفلة أمامها أمسكتها بقوة وجرتها ورائها إلى القصر ،
كانت خائفة مذعورة تنظر حولها وتبكي تارة وتتوسلها تارة أخرى.
وصلت المرأة وأليفة إلى غرفة كبيرة واسعة وكان فيها رجل وقور جميل الهيئة يجلس على كرسي مرصع بجواهر سوداء ،
كان يبدو عليه الحزن الشديد ودار الحوار بينه وبين المرأة كالتالي :
العفو سموك أعتذر لإزعاجك ولكنني رأيت هذه السارقة في الإسطبل وكانت تسرق حليب البقر لتشربه يبدو أنها من الإنس يا مولاي.
وكيف وصلت إنسية إلى هنا يا كبيرة الخدم ؟
لا أدري يا سيدي فأنا لم استجوبها وأحضرتها إليك سريعا وأظن يا سيدي أنها وراء مصيبتنا.
أسكتها الملك بإشارة منه وكأنه لم يرد أن يسمع باسم المصيبة ،
كل هذا وأليفة في خوف وذهول تام نبهها صوت الملك : من أنتي يا فتاة ومن أحضرك إلى عالمنا ؟
إقرأ أيضا: البخيل وشيخ الذهب الجزء الأول
نظرت إليه أليفة وتلعثمت بكلماتها ثم ما لبثت أن استجمعت قواها وقالت :
يا سيدي أنا أليفة ولا أدري كيف وصلت إلى هذا العالم وأقسم أنني لا أريد بكم الأذى ولا دخل لي بأي مصيبة.
قالتها وهي تنظر لكبيرة الخدم التي امتعضت من كلماتها أنا لا أريد منكم شيئاً سوى المأوى وطعاماً أسد به رمقي ،
ومستعدة أن أكون لكم خادمة مطيعة.
يتبع ..