قصص منوعة

حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الثاني

حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الثاني

قال محمود للكاهنة : سأفعل ك شيء من أجل إنقاذ الأميرة ، لكن أخبريني ، هل هي جميلة؟

ضحكت العجوز ، وأجابت : لقد رميت الحبّ في قلبك ، وستحارب من أجل عينيها!

إبتسم محمود ، وخاطب نفسه : لن أحسّ بالحزن لمّا أخرج مع رفاقي للنّزهة ، فلهم زوجات حسان إلا أنا ،

فكم عانيت من هذا الشّعور المقيت ، ثمّ وقف ، وقال : لا أحد يأمن على نفسه ، فلو حصل لي مكروه ،

أريدك أن تهتمّين بجدّي وجدّتي ، وهما في القرية الفلانية.

ردّت عليه : أعرف مكانهما ، وسأحمل لهما لحما وفاكهة ، فطب نفسا ، ولا تفكّر إلا في مهمّتك.

ودّعها محمود ، ثم ذهب في الطريق الذي أخبرته عنه ، وبدأ يفكّر فيما حصل له ، وتساءل إن لم تكن العجوز ستقوده إلى حتفه.

ثم مشى ثلاثة أيام حتى تعب ، واشتد به العطش ، ولام نفسه على عدم أخذ صرة الدنانير ، والرجوع إلى بيته ،

فبفضل ذلك المال سيكبر قطيعه وتتحسّن حاله.

بينما هو سارح في أفكاره سمع صوت شيء يتكسّر تحت قدمية فلمّا أحنى رأسه ، قفز مذعورا ،

فلقد كانت جمجمة نخرة ، وهناك كثير من العظام ملقاة حوله ، فابتلع ريقه ،

وفجأة لمح أشباحا تتحرّك ، وبعضها دون رأس أو ذراع ، فخاف ، وهمّ بالهرب لكنّه تذكر وصيّة العجوز ،

وواصل طريقه ثم شاهد أمه تناديه ، وتمدّ له ذراعيها ، فأغمض عينيه ،

وبدأت الدّيدان والعناكب تزحف على ساقيه وهو يحس بدبيبها على لحمه ، فجرى حتى بانت له السنديانة من بعيد ،

وكان إلى جانبها صخرة ، وبمجرّد أن وصل إليها إرتمى على الأرض من شدّة التّعب ،

وأحسّ بالرّاحة ، فلقد كان الخوف الذي أصابه فضيعا ، ثمّ أخرج قربة الماء ، وبلّل شفتيه اللتان يبستا.

وبعد قليل سمع صوت أقدام ثقيلة تقترب ، ولمّا أطل رأى ثلاثة رجال خضر العينين ، لهم جسم إنسان ،

وحوافر ماعز يجلسون تحت السنديانة ، ثم أخرج القوم شرابا وطعاما ، وشرعوا في الأكل والشرب حتى إمتلأت بطونهم ، وثملت رؤوسهم.

إقرأ أيضا: قاتلة الرجال

قال الأوّل : أنا أقوى منكما فلي جوهرة التّاج التي تبعد الهوام والعين والسّحر ، وبفضلها لا أخشى سحركم ،

1 3 4 10 1 3 4 10

وهي موجودة داخل عشّ نسر في قمة جبل الصوّان ،

ردّ عليه الآخر : بل أنا الأقوى ، فلي عباءة من يلتحف بها يختفي عن الأنظار ، ويسرق جوهرتك ،

وهي وسط صندوق في البحيرة الزرقاء.

ضحك الثالث وقال : أما انا فلا يغلبني أحد لأني أملك قمحا السّنبلة منه فيها ألف حبة ، وكلكم تعرفون الجوع إلا أنا ،

وهو موجود في بئر لا قاع له.

لمّا حان نصف الليل إنصرفوا في حالهم ، وتواعدوا على اللقاء في السّنة المقبلة ،

ثم نهض محمود ، وشدّ الرّحال إلى جبل الصوّان ، وكان بعيدا ولا أحد يستطيع الصعود إلى قمته ،

وبينما هو يمشي رأى حصانا يرعى ، فتساءل : ماذا يفعل هذا الحيوان بمفرده ، ونظر يمينا وشمالا ، فلم ير أحدا ،

فقال : سأستعيره ، ومقابل ذلك سأترك جراب الطعام ، والماء ، فإن كان له صاحب ، سيعلم أني أردّه إليه.

عندما همّ بركوبه قال الحصان : لقد نجحت في الاختبار ، ورضيت أن تترك زادك لكي لا يظن بك النّاس سوءا ،

والآن خذ جرابك ، فالرّحلة طويلة!

قال محمود في نفسه : هذا عجيب ، فمنذ متى تتكلم الدّواب؟ ولماذا لم تخبرني العجوز عنه؟

سار الحصان بسرعة ، وبعد سبعة أيام بلغ جبلا تناطح قمّته السّحاب ، فصعد الحصان في الدّروب الضّيقة ،

حتى وصل إلى شجرة عالية فيها عشّ عظيم ، فتسلّقها محمود بخفّة ،

ثمّ أطلّ داخل العشّ ، ورأى جوهرة حمراء مع فراخ النسر ، فأخذها ، وأطعم الصّغار حتى شبعت ،

وما كاد ينزل حتى رأى نسرا يحلق فوق رأسه ، وحين رأى فراخه نائمة وهي بخير ،

نزل إلى العشّ ، وغطّاها تحت جناحيه ، قال الحصان : فعل الخير أنجاك أيضا هذه المّرة ،

هلم بنا إلى البحيرة الزّرقاء فهي ليست بعيدة من هنا.

إقرأ أيضا: عاشقة الأمير قصة قصيرة

بعد ثلاثة أيام وصل محمود إلى بحيرة واسعة تحيط بها ثلاثة جبال شاهقة ولما رآها عرف لماذا يطلقون عليها الزرقاء ،

فلقد كانت أصفى من لون السّماء ، وماءها من قطرات الندى ، فكر الفتى كيف سيجد الصندوق الذي في القاع ،

قال له الحصان : سأسأل إحدى الأسماك ، وهي ستقول لنا الخبر الصحيح.

ردّ محمود : يجب أن تكون سمكة مثلها لتفهم لغتها!

أجاب الحصان : ويحك ، هل تظنّ أنّي دابة لا تصلح إلا للرّكوب؟

إعلم أني كنت في خدمة كاهنات الغابة ، وهنّ مخلوقات لطيفة تحمي الطبيعة وتعاقب من يفسدها وتقضي على جمالها ،

وهن وجدن من أقدم الأزمان ، حتى جاء ذلك السّاحر البغيض ، وأرسل علينا مرضا غريبا أهلك غابتنا ، وماتت أكثر الكاهنات ،

وأخرى لاحقتها الغربان ، ولم تنج إلا واحدة عجوز ركبت على ظهري ،وجريت بها بعيدا ،

ثم أوصتني بمساعدتك ، ولمّا اختبرتك أيقنت أنك الشخص المقصود التي تحدثت عنها النّبوءة في كتبهم.

كان محمود يسمع ويحس بالحزن ، فهو أيضا يحب الطبيعة ، ويقضي يومه في المروج يرعى عنزاته ،

ثم قال : أنظر هناك سرب من الأسماك تطل برؤوسها من الماء ،

فقال الحصان : السّلام عليكنّ ، ما أحلاكنّ هذا الصّباح ، فالتفتن إليه بدهشة وقلن له :

هل أنت من أهل البرّ أم البحر؟ : أجاب هذا ليس مهمّا ، لكن هل شاهدت إحداكنّ صندوقا من الفضّة في قاع البحيرة؟

قالت السمكات : نعم ، فهو من أثاث قصر الملكة ، ومن الصعب أن نعطيه لك.

ثم قص عليها حكاية الساحر وأن الدور عليهم ، ثم غطسن في الماء وبعد قليل صعدت الملكة ووراءها سرطان كبير يحمل الصندوق على ظهره ،

وقالت له : لعل ما فيه يساعدك على بلوغ غايتكما.

إقرأ أيضا: حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الثالث

أخذ محمود الصندوق ، ثم فتحه وكانت فيه عباءة طويلة قد إصفرّ لونها من القدم ، ولمّا لبسها اختفى عن الأنظار ،

فصهل الحصان ، وقال مدهش ، يمكننا الآن بدأ الحرب على السّاحر ، ثم البحث عن السنبلة التي بها ألف حبة.

قال محمود : لا أفهم فيما سيفيدنا هذا الشّيء؟

مشوا في طريقهم حتى إقتربوا من المدينة وهالهم الخراب فقد صارت الأشجار الخضراء جذوعا جافة وماتت الأزهار ،

وغطى البيوت غبار أسود ، ولم يروا إنسانا واحدا أو حيوانا أو حتى عصفورا ،

ومن لم يمت بالمرض رحل من ذلك المكان.

وفي الطريق وجدوا عربة يركبها رجل مع إمرأته وصغاره ، وهم يذهبون لوسط المدينة ، فسألوه عما يحدث ،

فأجابهم : أن ذلك الغبار الأسود ينتشر بسرعة ، وكل مكان يصل إليه يصيبه الخراب ،

وما هي بضعة أيام حتى ينتشر في معظم المدينة ، وبدأ السّكان يغادرونها.

فانزعج محمود وقال لو لم نفعل شيئا فسيتحقّق كلام الكاهنة وتختفي المملكة تحت الظلام ،

ماذا يجب أن أفعل لتحمينا الجوهرة.

بقي يفكر ، ثم قال في الربيع تهب الرياح على حبوب الطلع التي في الزّهور ، فتطير وتسقط في كل مكان وتعطي الحياة ،

وسأسحق تلك الجوهرة لتحملها الريح ، أجاب الحصان يا لها من فكرة لا تخطر على بال أحد.

أحضر محمود مهراسا وسحقها حتى صارت غبارا أبيض ثم وضعه في صرة ، ولما هب الهواء طار ما فيها ،

ثم وقف الفتى ينتظر لكن لم يلاحظ شيئا ، وقال : علينا أن ننتظر فالسّحر قوي ،

والآن هيا بنا إلى مغارة السّاحر ، فكلي شوق لرؤية الأميرة رباب ، ترى هل هي بخير؟

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?