حكاية ردينة الجزء الأخير
حكاية ردينة الجزء الأخير
تكرر طلوع الفتاة إلى السطح وتكرر وقع نظر أخيها عليها فاتضح له أن الفتاة مقيمة فيه ولا تغادره أبدا ،
فقرر أن يفاتح العجوز في أمرها لكي يخطبها ، فلما التقى بها في الطريق سلم عليها واطمأن على صحتها.
قال لها : من يوم وقعت عيني على ابنتك ولا غمض لي جفن تعلقت بها نفسي وغدوت لا أقوى على فراقها ،
وأريد منك أن تزوجيني بها واطلبي من المهر ما أردت.
انزعجت العجوز لمعرفته بوجود الفتاة في بيتها إلا أنها ضبطت أعصابها وأجابته منكرة ومستغربة :
أتسخر مني بكلامك هذا تطلب مني أزوجك ابنتي ومن متى كان لدي أبناء أو بنات.
لو كان لي أبناء أو بنات لساعدوني وأعانوني ولجلست في بيتي بدلا من السير في الطرقات أتسول وأجمع عيدان الحطب ،
كيف تسألني هذا السؤال وأنت تعرف أني أعيش لوحدي.
أثرت عليه بلهجتها خاصة وهو على معرفة بحالتها فلم يشأ ساعتها أن يدخل في جدال ،
وتحدث معها من أول يوم يفاجئها فيه بمعرفته بوجود فتاة في بيتها وبحبه لها.
فلاذ بالصمت وترك العجوز تسير في سبيلها وهي موقنة أن أمر الفتاة غدى معروفا ولم يعد سرا ،
وانصرف لحاله وحواسه ومشاعره مشدودة نحو الفتاة التي بقي يراقبها من نافذة بيته كلما طلعت سطح البيت ،
ليزداد تعلقا بها وإصرارا على الزواج منها.
أخذ يستوقف العجوز يوما وراء يوم ويكرر لها طلبه في الزواج من الفتاة وهي تكرر له نكرانها ،
ويعود ويدخل في تحد معها عن وجود الفتاة وهي ترفض الحديث إلا أنه ضيق عليها الخناق ذات يوم وقال لها :
إني أشاهد الفتاة باستمرار من نافذة بيتي ومتأكد من وجودها في بيتك ،
وإذا كنت تريدين أن اكذب نفسي وأصدقك دعيني أفتش البيت بنفسي.
ابتسمت له العجوز التي كانت قد أخذت حيطتها وأخفت الفتاة في حصير طوته وركزته في زاوية البيت وقالت له :
البيت بيتك فتشها كما تريد.
إقرأ أيضا: صدفة قصة قصيرة
أخذ الرجل يفتش زوايا البيت زاوية بعد أخرى حتى وصل إلى الحصير المطوي وهزه بيده فلقاه ثقيلا ،
فتناوله بكلتا يدية من الزاوية ووضعه برفق على الأرض وراح ينشره في القاعة لتخرج منه الفتاة ،
فأوقفها لتبقى في مواجهة العجوز وهو يقول لها : أريد منك أن تزوجيني بها.
وجدت العجوز أنه لا مفر لها من مفارقة الفتاة فقررت المباعدة والمغالاة في المهر لعله يعجز عن ذلك فأجابته قائلة :
أريد منك كيس ذهب وكيس فضة مهرا لها.
قال لها : لك ما تطلبين.
التفتت الفتاة نحو العجوز لتقول لها : هذه مطالبك وحدك وأنا لي مطالبي ولن أتزوجه إلا إذا حققها.
سألها مستوضحا : ماذا تطلبين أنت؟
أطلب قعادة زاج وقعادة زجاج لننام عليهما ولن أتزوجك بدونهما.
لك ما تطلبين.
انصرف ليحضر للعجوز أكياس الذهب والفضة التي طلبتها وليجهز لغرفة نوم الفتاة سرير من زاج وسرير من زجاج.
وبعدها حددوا يوم الزفاف وزفت له الفتاة في اليوم المعين.
دخل العروسان غرفة النوم وقعد واحد منهما على سرير وعندما هم بالإقتراب منها تكلم السرير الذي تحته قائلا :
قعادة زاج وقعادة زجاج ، وإذا بالسرير الآخر يجيبه متسائلا : كيف يصح بين الإخوة زواج؟
لم تلق الفتاة اهتماما لما سمعت أما هو فقد تسمر في مكانه يبحث عن تفسير لما سمع ،
ولما لم يهتد إلى شيء حاول الإقتراب من زوجته مرة ثانية وإذا بالسرير يعيد قوله :
قعادة زاج وقعادة زجاج.
فأجابه الثاني : كيف يجوز بين الإخوة زواج؟
تراجع الرجل مرة ثانية يعاود التفكير دون أن يهتدي إلى شيء.
إقرأ أيضا: أرض الجن قصة قصيرة
استمر السريران يكرران حوارهما كلما هم الرجل الإقتراب من زوجته وفي الأخير قال لنفسه :
لا بد وأن هناك أمرا وراء نطق السريرين وحوارهما يكمن في حياة هذه الفتاة التي ظهرت فجأة في بيت العجوز ،
ولا بد لي من معرفته ، فقال يخاطبها : أقسم لك بالله ولك عهده وميثاقه أني لن أقربك ولن أعاملك كزوجة أبدا ،
وكل ما أرجوه هو أن أعرف حقيقتك وأسمع قصتك.
أخذت الفتاة تروي له قصتها من البداية وتروي له معاملة زوجة أخيها لها واتهامها بالزنا واستدلالها بعردان مخلوس ،
حتى أوغرت صدر أخيها فقتلها ودفنها بجانب البئر إلى آخر قصتها.
كانت تتكلم وهو مصغ لها فأيقن أنها أخته التي كادت لها زوجته عنده وتسببت في قتلها ،
فندم على ما بدر منه نحوها فاقترب منها يضمها إلى صدره وهو يقول لها :
سامحيني فأنا هو أخوك صدقت وشايات زوجتي ضدك وصنعت بك ما صنعت.
ابتسمت له أخته وهي تبادله العناق والحضن وطلق الرجل زوجته وبقي يعيش مع أخته كما كانا يعيشان من قبل.