حكاية مرجانة
المرأة العاقلة تغنيك ولو كان عدوك الفقر
يحكى أن أخوان يدعى أحدهما قاسم والآخر علي بابا عاشا قديمًا في إحدى مدن بلاد فارس.
عندما توفي والدهما ، تزوج قاسم من إبنة تاجر ثري ، وكانت طماعة تحب المال ، أما علي بابا فكان يكسب قوته من بيع الحطب في السوق ،
وكانت إمرأته تدعى مرجانة ، وهي فقيرة للغاية ، لكنها ذكية ، ورغم فقرهما كانا يحبان بعضهما ،
ويحمدان الله على ما أعطاهما من رزق.
وفي أحد الأيام ، بينما كان علي بابا يحمِّل أخشابه ليأخذها إلى المدينة ، سمع صوت حوافر خيول ،
ورأى أربعين فارسًا يقتربون ، خاف وأسرع بالإختباء وراء شجرة ،
وعندما اقترب الرجال أكثر ، رأى علي بابا أن خيولهم كانت محملة بالذهب والفضة ،
وتوجهوا إلى سفح جبل وصاح قائدهم : «افتح يا سمسم!»
ظهر فجأة في الصخر باب عريض يؤدي إلى كهف.
توجه الأربعون لصًّا إلى الداخل ، وانغلق الباب خلفهم.
اندهش علي بابا ممّا رآه ، وبعد فترة قصيرة ، فُتح الباب مرة أخرى ، ورجع الرجال من الطريق الذي جائوا منه.
عندما تأكد علي بابا من إبتعادهم ، اقترب من الجبل وكرر الكلمات : «افتح يا سمسم «!
إنفتح الباب ، ودخل علي بابا ، فوجد نفسه في كهف مليء بالسجاجيد ، ولفائف الحرير ، وأكوام الذهب والجواهر.
ملأ الرجل جرابا من الذهب ، وعاد إلى زوجته ، وطلب منها أن تأتيه بمكيال دار أخيه قاسم ليزن الذهب.
وأثار الأمر فضول زوجة أخيه ، فأرادت أن تعرف ما الذي سيزنه علي بابا ، فوضعت في قاعه قطعة من الشمع.
وعندما أعاد علي بابا المكيال ، وجدت قطعة ذهبية ملتصقة به.
فأخبرت زوجها أن علي بابا قد أصبح ثريًّا الآنز ، وطلبت منه معرفة من أين أتى بالذهب.
إقرأ أيضا: الطفل والإصبع الذهبي الجزء الأول
أخذ قاسم يراقب أخاه كل يوم ، ويتبعه إلى الغابة وعرف بأمر الكهف ، وذهب قاسم ولما وصل أمم سفح الجبر صاح : «افتح يا سمسم!»
كالعادة إنفتح الباب ، ودخل قاسم ، ودهش من كثرة الذهب والجواهر والتحف التي رآها أمامه.
وقضى وقتًا طويلًا ، يجمع كل ما يمكنه حمله من هذا الكنز ، ولما جاء ليخرج وجد باب المغارة مغلقا ،
وحاول أن يتذكر كلمة السرّ فلم يفلح ، وأخذ ينطق بالكثير من الكلمات الأخرى ، لكن الباب لم يتحرك.
ووجد قاسم نفسه محبوسا بالداخل.
وفي اليوم التالي ، عاد الأربعون لصًّا ، ووجدوا قاسم هناك فقطعوه لعدة أجزاء ،
وبعد يومين شك علي بابا في أمر غياب أخيه ولما ذهب إلى الكهف ، وجد أن اللصوص قد إنتقموا منه.
فحمله إلى شيخ اسمه أبو مصطفى الذي خاط أعضاء أخيه مع بعضها ودفنه ،
لما رجع اللصوص لم يجدوا قاسم ، فعرفوا أنّ له شريكا ، فذهب قائدهم إلى المدينة، وأخذ يسأل هل دفن أحد اليوم؟
فقيل له هناك واحد من الأعيان وضعوه في تابوت ، وبعد زمن قصير علم زعيم اللصوص بشأن قاسم ،
وتمكن من الوصول إلى دار أخيه علي بابا.
ووضع علامة عليه بالطباشير الأبيض ، وعاد إلى الكهف ليخبر رفاقه بكلّ ما فعله.
رأت مرجانة علامة الطباشير على الباب ، وأحست بخطر ما ، فأخذت قطعة من الطباشير الأبيض ،
ووضعت علامة على كل الأبواب الأخرى في المدينة.
وفي هذه الليلة ، عاد الأربعون لصًّا إلى المدينة ، عازمين على قتل علي بابا ،
لكنهم وجودوا أن كل الأبواب عليها علامة بالطباشير الأبيض ، ولم يعرفوا داره ، فرجعوا يجرون أذيال الخيبة.
وفي اليوم التالي عاد الزعيم ، وتمكن ثانية من الوصول إلى باب علي بابا ،
وحرص على أن يتذكره هذه المرة ، ثم رجع إلى الكهف ، وأحضر جرارًا كبيرة.
ملأ إحدها بالزيت ، في حين اختبأ اللصوص التسعة والثلاثون في الجرار الأخرى.
إقرأ أيضا: الأرملة التي صانت شرفها
حمل الزعيم هذه الجرار على ظهور بغال وجاء إلى المدينة ، ولما وصل إلى دار علي بابا ، طرق الباب ،
ولما فتح له الرجل ، إدّعى أنه تاجر زيت جاء من مكان بعيد ، وأنه بحاجة أن يضع جراره في مكان آمن ،
رحب به علي بابا ووضع الجرار مع الحيوانات خلف المنزل ، وقال له : أنت ضيفي الليلة ، ولن تذهب قبل أن تتعشى معي!
أرادت مرجانة أن تطبخ العشاء للضيف فلم تجد زيتا ، فقالت في نفسها : سأستعير شيئا من جرار التّاجر ، وسندفع له ثمن ما أخذناه!
ولمّا حرّكت الغطاء ، سمعت صوتًا يسأل : «هل حان الوقت؟ وكلما تذهب إلى جرّة ، تسمع نفس السؤال ،
حتى وصلت للجرّة الأربعين فوجدتها مليئة بالزّيت.
فهمت المرأة ما يدبّره لهم التاجر ، وأنّ من في الجرار هم رجاله ، جائوا ليقتلوا علي بابا ،
فسخنت الزيت في إناء كبير حتى أصبح يغلي ، وكل مرّة كانت تفتح غطاء الجرة ، وتصبّ الزّيت الحامي على رأس اللّص ،
فيموت من حينه ، ولما دارت على كل الجرار ، كان تسعة وثلاثون لصا قد ماتوا ، ولم يبق سوى زعيمهم!
طبخت مرجانة طعامها ، وتعشّى علي بابا وضيفه دون أن يعلم أحد ما جرى ،
ثم إنصرف زعيم اللصوص ، وقال لعلّي بابا سأعود في الصّباح لأخذ جراري ،
لكنه لمّا جاء في الغد ، شاهد علي بابا لا يزال حيّا ، فجرى وراء الدار وهز الجرار لكن لم يسمع أي صوت ،
فعرف أن على بابا كن أخبث منه ، ولم يبق الآن سواه.
وبعد شهر تنكر وأخفى خنجرا مسموما في ثيابه ، وجاءه مرّة أخرى ، فأدخله ولم يعرفه ،
لكن مرجانة شكت في أمره وبقيت تراقبه من بعيد ، ولمّا إستدار زوجها حاول التاجر طعنه في ظهره ،
لكن المرأة أمسكت عصا ، وضربته بها على رأسه فقتلته ، إلتفت لها علي مندهشا ، لكن مرجانة قالت له :
إنه زعيم اللصوص جاء لقتلك ، وأخبرته أيضًا عن التسعة والثلاثين الذين قتلتهم في الجرار بالخارج.
إقرأ أيضا: التاجر والكنز والببغاء
قبَّل علي بابا رأس إمرأته ، وحمد الله أن وهبه زوجة حكيمة مثلها.
وعاشا معًا في سعادة ، وبقيت المغارة سرًّا لا يعرفه سواهما ،
لكنهما لا يأخذان إلا حاجتهما ، فما أجمل المرأة عندما تكون عاقلة.