حكمة حمار
يحكى أنه كان هناك اثنان من الحمير تجمعهما صداقة قوية ، يعيش أحداهما بالغابة الكبيرة التي تقع على حدود المدينة ،
بينما الأخر يحيا ببيت أحد الأهالي.
وبالرغم من الشبه الكبير الذي يجمع الإثنان ، إلا أن تفكير كل منهما كان يختلف تماما عن الأخر.
حيث قرر الأول الذهاب للعيش بالغابة ، ليكون بحريته ، يأكل ما يريد ، ينام وقتما يشاء ، يلهو ويلعب متى أحب.
بينما قرر الثاني البقاء ببيت صاحبه ، فهو يرى أنه ينام بأمان بداخل الحظيرة لا يخشى هجمات الحيوانات المفترسة ،
كصديقه الذي يحيا بداخل الغابة في قلق دائم.
يعمل من الصباح حتى المساء بلا كلل ، ليحصل بعدها على الطعام الذي يقدمه له صاحبه ، الذي بالكاد يسد جوعه ،
إلا أنه في الفترة الأخيرة بدأ العمل يزداد عليه حيث كان يذهب للسوق في الصباح الباكر يحمل على ظهره الحبوب والغلال التي يقوم صاحبه ببيعها ،
ليعود بعدها للعمل في الحقل حتى غروب الشمس ، ليتناول نفس كمية الطعام السابقة.
ذات يوم صارح صاحبه بأن الطعام لم يعد يكفيه بسبب الجهد الكبير الذي يبذله في العمل ،
وعده صاحبه بأنه سوف يزيد له حصة الطعام في القريب حينما يقوم بجني محصول الأرض في نهاية العام ،
وأخذ يتحدث إليه بأنه لا يعتبره مجرد حمار يعمل لديه وإنما صديق وفي يعتمد عليه في كافة احتياجاته.
دبت الحماسة في نفس الحمار وحدث نفسه بأنه سوف يثبت لصاحبه أنه أهل للثقة الكبيرة التي منحه إياها ،
ولينتظر حتى وقت حصاد المحصول كما وعده صاحبه.
ذات يوم حضر الحمار الذي يعيش فى الغابة لزيارة صديقه ،
ما أن رآه حتى تعجب من مظهره ، بعدما شاهده وقد بدى عليه الضعف والهزلان.
سأله عما حل به ، فأخبره بحاله ، فما كان من صديقه إلا أن عرض عليه الذهاب معه للغابة ،
إلا أنه رفض بشدة بحجة أن الغابة ليست مكان آمن للعيش ، فالحظيرة أفضل بكثير حتى لو حصل على القليل من الطعام.
إقرأ أيضا: الإوزة التي تبيض ذهبا
وأخذ يدافع بكل ما أوتي من قوة عن وضعه الحالي ، في النهاية تركه صديقه وانصرف متجها نحو الغابة على وعد باللقاء القريب.
بعد مرور عام عاد الحمار الذي يسكن الغابة لزيارة صديقة مجددا ، فتعجب من الحال الذي آل إليه صديقه ،
ازدادت حالته سوءا ، فقد أصبح نحيل بشكل لا يصدق ، سار يتحرك ببطئ شديد ،
يقوى على الحركة بالكاد ، أصبح صوته واهن يبذل جهد كبير في اخراجه.
سأله عما حل به ، وحدثه بأنه كان يتوقع أن يراه على حال أفضل من تلك ،
خاصة أن موسم الحصاد قد انتهى وسوف يحصل على الطعام الذي وعده صاحبه بتوفيره له.
رد عليه صديقه بصوت واهن بأن الأرض لم تؤتي أكلها هذا العام ،
ولكن صاحبه أكد له بأنه في العام القادم سوف يوفي بوعده ويعطيه ما يريده.
مر عام تلو الأخر حتى انقضت عشرة أعوام ، والحمار يذهب للسوق كل صباح يحمل على ظهره الحبوب التي يبيعها صاحبه ،
ويمني نفسه باليوم الموعود التي ستخرج فيه الأرض خيراتها ليحصل على ما يحتاجه من طعام.
حتى حدث ذات يوم مالم يكن يتوقعه ، فبينما كان سائر للسوق في الصباح كعادته ، خارت قواه ، سقط أرضا بما يحمله على ظهره.
تعجب صاحبه مما حدث ، حاول أن يساعده على النهوض لكنه لم يستطع ، فأخرج عصاه وانهال عليه بالضرب ،
وهو يكيل له السباب ويتهمه بأنه أصبح بلا فائدة.
تفاجأ الحمار مما يفعله صاحبه ، لم يكن الألم البدني هو ما يؤلمه ، ولكن اتهامه بالتخاذل والتقصير سبب له ألم نفسي كبير ،
فلقد تحمل الكثير طوال السنوات الماضية ظل يعمل بدون أن يتذمر أو يشكو ، صبر على قلة الطعام وفي النهاية يكون هذا جزءاه.
إقرأ أيضا: قصة اللص المظلوم
أفرغ صاحبه الحمولة الموجودة أعلى ظهره ، وأشار لأحد المارة طالبا منه المساعدة في إيصال ما يحمل للسوق.
رحب الرجل بمساعدته وقبل أن ينصرفا سأله عن مصير حماره الذي مازال يجلس على الأرض لا يقوى على الحركة ،
فأجابه بأنه لم يعد بحاجة إليه بعدما خارت قواه وأصبح لا يصلح للعمل ، قالها وانصرف متجها للسوق.
لم يصدق الحمار اذنيه ، أبعد كل تلك الأعوام التي لم يدخر فيها جهدا لمساعدة صاحبه يتخلى عنه بتلك السهولة ويكون هذا مصيره.
بينما هو على هذا الحال ، أتاه صوت من خلفه يخاطبه قائلا :
لقد أخبرتك كثيرا يا صديقي ولكنك لم تستمع لكلامي.
نظر للوراء فوجد صاحبه الذي يعيش بالغابة ، فرد عليه قائلا : وماذا كنت تريد مني أن أفعل؟
أن تلقي بما تحمله على ظهرك طوال الأعوام السابقة وتأكل منه ما يكفيك.
لو فعلت ما تقول كان سيعاقبني.
وهاهو قام بعقابك بدون أن تفعل شيء ، وانهال عليك بالضرب ولم يعد له رغبة بك ولن تتمكن من العودة للحظيرة التي كنت تشعر فيها بالأمان الزائف.
لقد أخبرتك منذ زمن طويل ولكنك لم تستمع لحديثي.
ومن أين لك بتلك الحكمة وأنت حمار مثلي؟
يا عزيزي كلنا حمير ، لكنني فضلت العيش بحريتي في الغابة على أن أكون خادم مطيع يعمل من أجل الحصول على قوت يومه.