حور

حور

يقول العم إبراهيم ذو الأربعة وستين عاما ، أنه قبل عشرين عاما من الآن
عندما كنت أعمل في متجر كبير لبيع الدمى ،

وقفت ذات مرة فتاة في عمر التسع سنوات عند واجهة المتجر والتي كانت من الزجاج الشفاف.

وقفت قبالة دب رمادي مصنوع من القطن الناعم ، متوسط الحجم ، تقريبا بحجمها.

وبدأت تحدثه طويلا ثم انصرفت ، وعاودت الكرة مرة أخرى ، مما جعل لعاب فضولي يسيل لمعرفة ماذا تقول الطفلة للدب.

وعندما انصرفت قمت بوضع جهاز تنصت في الدب لإشباع فضولي لكنها لم تظهر لثلاثة أيام ،

حتى أنني رفضت بيع الدب لإحدى الأسر لا أعلم ما الذي جعلني أفعل ذلك.

كانت هناك سيطرة تامة من الحدث على تفكيري وسلوكي حينها ، وفي اليوم الرابع بينما كنت أراقب المتجر من خلف زجاج المكتب ،

رأيتها وهي تتجه نحو صديقها الرمادي ، فأسرعت لتشغيل جهاز التنصت.

كانت الصدمة قوية عندما سمعت حديثها مع الدب ، تجمدت في مكاني ولم أعرف ماذا أفعل.

في الأول ألقت التحية وهي تبتسم له ثم أردفت قائلة:

صديقي الرمادي لا زلت أبحث لك عن إسم يليق بك ،

لقد إقتربت من جمع المبلغ الكافي لإخراجك من هذا السجن الزجاجي.

سنكون معا أفضل صديقين على الإطلاق.

لقد أخبرتك سلفا أنني أعجبت بك عندما كنا أنا وأمي نمر من هنا ، وعندما أخبرت أمي أنني أحببتك ، قالت لي :

أنها ستدفع ثمن خروجك من هنا ، وستذهب معنا إلى البيت ، لكنها توفيت وبقيت لوحدي ولم يتبقى لي إلا أنت.

عندما أراك أتذكرها وعندما أتذكرها أركض لرؤيتك.

إقرأ أيضا: إستيقظ حاتم من غفلته على صوت رسالة إستقبلها هاتفه

أخاف أن يأخذك أحدهم مني ، أرغب في التحدث مع صاحب المحل لكي لا يبعيك لغيري ،

لكن ملامح وجهه القاسية تفزعني.

شعرت بالخجل قليلا من نفسي ثم نظرت إلى المرآة لقد كان وجهي قاسيا فعلا.

حدث بعدها أمر مزعج لها لقد وقفت أمامها أسرة كان معها طفل في مثل عمرها ، كان الولد يشير إلى الدب على أنه يريده.

دخلت العائلة المتجر تحت مراقبة شرسة من الفتاة ، تطلعت فيها من خلف الزجاج كانت عيناها تستشيطان غضبا ،

شعرت بها وهي تحترق في الخارج ، تراقب الوضع وهي ترتجف.

وعندما أشارت الأسرة إلى الدب بأنها تريده لإبنها ، أخبرتهم دون تردد أنه قد بيع وأنني كنت في صدد الذهاب إليه لأخده من هناك.

فوعدتهم أنني سأجلب واحد آخر الأسبوع القادم.

لم يغفل ذهني عن الفتاة المسكينة ظلت عينايا بين الحين والآخر تتطلع لحالها خلف الزجاج وعندما همت الأسرة بالمغادرة ،

لمحت شمسا أشرقت بوجه حور ، ثم بعد ذلك أشرت إليها بيدي لتدخل ، فتقدمت بخطوات ثقيلة وهي في دهشة وكأنها دخلت عالما سحريا مذهلا ،

ظلت تحدق في الدمى وهي منبهرة تماما قلت لها فيما أساعدك يا أميرة.

قالت : إسمي حور
قلت وأنا أحاول تقمص وجه لطيف
حور ، إسمك جميل ونادر.

فيما أساعدك قالت وهي تسحب بعض سنتيمات من جيبها ، أريد أن أشتري ذلك الدب
لقد كان ثمن الدمية غاليا جدا.

لم أشأ إحراجها أكثر ، فذهبت إلى حلمها وأخذته برفق وعناية وهي تكاد تجن من الفرح.

فتحت ذراعيها وحضنته بكل قوتها وهي تشمه ، ثم نظرت إلي وهي لا تصدق عيناها وقالت لي :

يا عم ، هل المبلغ كافي لأشتريه.
‏فأجبت : نعم إنه كافي ، فهو الآن لك ، هل أساعدك في إيصاله إلى البيت.

إقرأ أيضا: رجل توفيت والدته قبل أن يتوظف

‏فردت وهي تحدق في عيون الدب
‏لا عليك يا عم ، أسكن في الجوار مع جدتي ، لا تقلق سأوصله بنفسي.

‏وقبل أن تغادر سألتني عن إسمي
‏ ثم قالت لي ، عندما ستزوروني أمي ستفرح كثيرا وسأخبرها أن تحقق لك أمنية.

لم أستطيع سجن الدموع أكثر من ذلك فسمحت لدمعتان دافئتان بالفرار من عيني.

ولم أسعد في حياتي كما فعلت ذلك اليوم ، إحساسا قلما يصادفه الإنسان.

لم أرى الفتاة من يومها ، بعد عشر سنوات من الحادثة طردت من العمل.

ففتحت متجرا صغيرا لبيع الدمى ، فلطالما أحببت هذه المهنة ، لكن متجري كان محشورا في أحد الأحياء الفقيرة حيث كنت أسكن ،

لم ينجح مشروعي الصغير ، فأصبت بنكسة ، عانيت من فترة صعبة في حياتي.

وفي أحد الأيام طرق أحد الأطفال باب بيتي وعندما استفسرت عن ماذا يريد ،

أخبرني أن إمرأة في الخارج تسأل عني إنها إمرأة حسناء في العشرين من عمرها ، قالت أن إسمها هو ، حور.

ضرب الإسم في أذني ضربة أيقظت مشاعري.

رددت في إستغراب حور ، هل يمكن أن تكون هي فتاة الدب.

كنت حينها في حالة يرثى لها ، أزمة مالية خانقة كنا نعيش أنا وزوجتي في فقر حاد.

عندما رأتني حور ، هرولت نحوي وحضنتني كما فعلت مع الدب عندما كانت طفلة ، شعرت وكأنها إبنتي التي غابت منذ عشرين سنة.

أخبرتني أنها سألت عني في مكان عملي وقالوا لها أني تركت العمل ،

ثم أشارت إلى سيارتها كان جالس في المقعد الأمامي الدب الرمادي كان مشرقا وأنيقا وكأن الزمان لم يجري عليه.

ضحكنا كثيرا وعرفتها على زوجتي وظلت تزورنا وعلمت بقصتي ،

فقامت بفتح هذا المتجر الكبير المليئ بشتى أنواع الدمى وأعطتني إياه.

عارضت في البداية قلت لها هذا كثير ، لم أفعل شيء ، كانت مجرد دمية.

إقرأ أيضا: اليوم أكملت أربعا وعشرين سنة مضت سنتين على فراقنا

لكنها قالت لي
لا لم تكون مجرد دمية ، إنما وهبتني حياة كاملة.

لقد كنت قوية واستمريت بفضلها ، فكل ما كان حولي كان قاسيا وظالما ،

وعندما كنت أحس بالحزن والإنكسار كنت أنظر إلى الدب فأرى فيه لطفك وتقديرك ،

وأقول لنفسي ، لا زال في العالم أخيار ، وهذا ما جعلني أستمر حتى أصبحت أكثر سعادة ونجاح ،

وأنا أخبرتها أنها أعادت لي الحياة عندما طرقت باب منزلي.

Exit mobile version