حين احتد الشجار بيننا أنا وزوجي
حين احتد الشجار بيننا أنا وزوجي جمعت ملابسي في حقيبة صغيرة وذهبت إلى بيت أبي غاضبة ، خاصة أن تلك المرة لا مجال بيننا للنقاش.
أصبح كثير الإنفعال في الآونة الأخيرة ، يغضب دون سبب ويتشاجر على أصغر الأسباب ،
وتدريجيًا بدأ يُحال إلى آخر لا أعرفه.
وصل بنا الأمر للتفكير في الإنفصال ، الحياة معًا بهذه الطريقة أشبه بالمستحيل!
قالت لي إبنة خالي : جيد أنكِ تركتِ له المنزل ، لا تعودي له أبدا ، سيعيد كرّته إن عدت.
وأخبرتني إبنة عمّتي : أنت قوية ، لا تتراجعي في قرارك ، العالم مليء بالرجال ستجدين أفضل منه ألف مرة.
وهمست لي زوجة عمي : دعك منه ، ما زادنا الرجال إلّا هما.
وقالت إبنة خالتي أثناء الحديث : هذا لأنه ضمن وجودك معه ، اتركيه واجعليه يشعر بالندم.
لم أكُن أنوي إخبار أحد بخصوص شجارنا حين أتيت لمنزل أبي ، قلت لهم بأنها زيارة وسيأتي يوسف من بعدي.
ولكن حين قابل يوسف أمي وهي بصُحبة زوجة خالي ، أخبرها بالأمر ظنًا منه بأنني أخبرتها به منذ أتيت.
أخبرت زوجة خالي إبنتها بما حدث ، وابنتها أخبرت إبنة عمّي ، وإبنة عمي أخبرت زوجة عمي ، وزوجة عمي أخبرت عمي ،
وبالطبع لم يتردد عمي في إخبار جدتي بالأمر ،
وبكل تأكيد لن ننسى خالتي وجدي وإبنة خالتي وزوجها والخالة” أمينة ” بائعة الليمون وعم أحمد بائع الفاكهة ،
وحنان تاجرة الملابس وأبو كريم صاحب المخبز وأم ياسر جارتنا.
هناك فتى صغير يجلس عند باب المسجد في الشارع المقابل لم يعلم بعد ، مسكين فاته الأمر!
الفجوة بيننا بدأت تتسع بمرور الوقت ، وبتدخل الأقارب من الطرفين أصبح أمر عودتنا مُحال ،
أغلقت الغرفة وجلست على الفراش وجُملة أمي تتردد في أذني :
لا تدعِي ما بينكما يحترق ، كوني صمّاء حين يتحدث العالم وانصتي إلى قلبك.
يوسف زوجي وصديقي ، وجه الحياة الأبيض ، رغم مرّات شجارنا التي لا تُعد – استطعنا تجاوزها جميعها –
يصلح أحدٌ منا الأمر في النهاية.
إقرأ أيضا: حين أمسكت بورقة طلاقي علمت أنني لا أتوهم
يوسف رجل يُعتمد عليه ، يعرف إلى أين تسير أفكاري ، لذا لا أتكلف بالشرح أو التوضيح.
لا أعلم ما الذي يحدث بيننا الآن ، كلام أقاربي جعلني في ثورة ، كنت أعلم أن نهايتها انفصالنا لأنني على حق ،
وفجأة خمدت الثورة حين جلست أمي بجانبي ليلًا وقالت :
تهون الحياة مع رجل هين لين ، سلِي الله رحمةً تلين قلبيكما وتصلح ما بينكما ،
كلانا يعلم بأنّ يوسف يحبكِ ، اتركي النافذة مفتوحة ربما أتاكِ منها.
أمسكت هاتفي دون تفكير وكتبت له رسالة :
لا تدع الغضب يفسد ما بيننا.
حذفتها وكتبت : لا تتركني لنفسي ، حاول لأجلي ، اجعلني أشعر بأنني أستحق.
حذفتها بسرعة حين كدت أرسلها بدافع الحنين ، مسحت شاشة الهاتف حين ابتلّت بدموعي ، كتبت :
خمسة عشر يومًا يا يوسف؟ خمسة عشر يومًا وأنا وأنت في غُربة ، أردت إخبارك – رغم معرفتك التامة – أنني أحبك ،
ما زلت أحبك وأرغب في العودة إليك ، لكن يمنعني سبب مجهول وشعور بأنك لا ترغب في المحاولة لأجلي وبأنني لا أستحق.
لم أكمل الكتابة حين أرسل لي ” يوسف ” رسالة :
انتفض قلبي بمجرد رؤية النقطة الخضراء بجانب اسمه في الأعلى ، دلالة على أنه متصل بالإنترنت الآن.
” خمسة عشر يومًا يا سلمى؟ خمسة عشر يومًا وروحكِ غائبة عن المنزل ، عن الصباح وكوب الشاي ،
عن الشرفة والأرجوحة الصغيرة في زاوية الغرفة ، عن أحاديث كانت لتُروى لو كنتِ هنا.
أعلم أنني أخطأت ، ولكن أعلم أيضًا أن ما بيننا لا يزول ولو مرّ عليه ألف عام ،
وأعلم أنكِ كتبتِ إليّ رسالة ربما كان مصيرها الحذف في النهاية ،
لا أعلم إن كان الإعتذار كافيًا تلك المرة ولكن أعتذر لأنني تركتكِ تغادرين ،
لن أعدكِ بأننا لن نتشاجر مجددًا ولكن أعدكِ بأنني لن أترككِ تخرجين من منزلنا غاضبة ،
أعدكِ بأن ما بيننا سيظل بيننا ولن يتعدّى أعتاب غرفتنا.
إقرأ أيضا: تقول احداهن تزوجت لمنطقة بعيدة
أرسل رسالة أخرى : أرسلت إليكِ الرسالة لا لشيء سوى أنني أردت معرفة خطوات الدجاج بالبطاطس والأرز!
مسحت دموعي وسألته ضاحكةً : أين أنت؟
هُنا.
عقدت حاجبيّ بإستغراب وسألته : هنا أين؟
فتح باب الغرفة وأطلّ برأسه : هنا تحديدًا ، من الجيد أنكِ سألتِ ،
أنا أمام غرفتكِ منذ سبعة عشر دقيقة بالتحديد أفكر كيف سأبدأ الحديث معك.
قمت من على الفراش بسرعة واتّجهت إليه لأقف أمامه : أتيت؟
لأجلك.
أنا غاضبة منك ، حقًا غاضبة ، لن أسامحك ولن أعود معك أبدًا ، أنا غاضبة جدًا و..!
حاوطني بذراعيه وقاطعني هامسًا : لنتعانق وننسى كل شيء حتى الدقيقة الحالية ، لنبدأ من جديد كأول مرة التقينا بها.
وأحبك.
ابتسم ، أنعُود للمنزل؟
لنعود للمنزل.