دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس (مكان يتلى فيه التوراة) ،
فوجد منهم ناسا قـد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له (فنحاص) ، وكان من علمائهم وأحبارهم ،
ومعه حبر من أحبارهم ، يقال له (أشيع.
فقال (أبو بكر) لـ (فنحاص) : ويحك ! اتق الله وأسلم ، فوالله إنك تعلم أن (محمدا) لرسول الله ،
قد جاءكم بالحق من عنده ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل.
فقال (فنحاص) لـ (أبي بكر) : والله يا (أبا بكر) ، ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ،
وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغنى ، ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا ، كما يزعم صاحبكم ،
ينهاكم عـن الربا ويعطيناه ، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا.
فغضب (أبو بكر) ، فضرب وجه (فنحاص) ضربا شديداً ،
وقال : “والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت رأسك أي عدو الله”
فذهب (فنحاص) إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : يا (محمد) انظر ما صنع بي صاحبك
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لأبي بکر : “ما حملك على ما صنعت” ؟
فقال (أبو بكر) : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولاً عظيما ، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء ،
فلما قال ذلك غضبت لله مما قال ، وضربت وجهه.
فجحد (أنكر) ذلك (فنحاص) وقال : ما قلت ذلك.
فأنزل الله تعالى فيما قال (فنحاص) ردا عليه ، وتصديقا لـ(أبي بكر) :
{لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}} [ آل عمران : ۱۸۱ ]
ونزل في (أبي بكر الصديق) رضي الله عنه ، وما بلغه في ذلك من الغضب قوله تعالى :
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}} [ آل عمران : ١٨٦ ]
المصدر : السيرة النبوية لابن هشام ( ١ / ٥٥٨ ، ٥٥٩ )