دق جرس الفسحة المدرسية وعلى الفور حمل كل طالب وجبة فطوره من حقيبته وجلس يتناولها في هدوء ،
ومن بينهم جلس أحمد يأكل قطع البسكويت بعدما أنهى فطوره ،
ومن حوله الزملاء يتهامسون فيلاحظ ذلك فيلوك الطعام في فمه بحزن شديد ،
ثم ما يلبث أن يُعيد القطعة المتبقية في جيبه علّهم يكفون عن أذيته وينسحب للجلوس في مكان آخر ،
فيتبعونه لِما وجدوه عنده من ضعف ، إقترب خالد منه يضحك وهو يقول :
كُف عن الأكل أصبحت مثل الفيل.
فضحك باقي الزملاء وهم يشيرون إلى الطالب الذي ترك قطع البسكويت وانسحب فورًا من مكان التجمع والحزن ينهش قلبه.
حين صعدوا للفصل مرة أخرى وجدوه يضع رأسه على الطاولة في حزن مكتوم ، بينما كان الآخر كعادته لا يهمه شيء ،
قال حامد له :
يبدو أنه حزن كثيرًا بسبب ما قلته له منذ قليل.
فيرد خالد بغير إهتمام :
وماذا قلت له ؟ كنت أمزح فما ذنبي أنه لا يحب المزاح.
ثم أردف :
هل قمت بحل الواجب ؟
فيرد حامد:
لا ، كنت ألعب طيلة اليوم مع إبن الجيران فلم أحل الواجب.
يدخل المدرس فيلاحظ الطفل الحزين الذي لم يرفع رأسه فيسأل :
ماذا بك يا أحمد ؟
فيرفع الطفل رأسه وفي كلامه رجفة وتهتهة كلام :
لا ، لا شيء أنا بخير .
فيسأل المعلم زميله حامد :
هل أحزنه أحدكم ؟
فيرد حامد :
لا لم يُحدثه أحد !
إقرأ أيضا: ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة
فيبدأ المعلم بتصحيح الواجب فيكون الجميع قد حلّ الواجب عدا حامد الذي يقف متسائلًا :
هل رأى أحدكم كتابي ؟ لا أجده في حقيبتي رغم أني متأكد أني وضعته بعدما أنهيت الواجب بالأمس.
فيقول المعلم :
ابحث جيدًا.
فيرد التلميذ في حزن مُتقن :
لم أجده.
فيسأل المعلم :
المهم أنك قمت بحل الواجب أليس كذلك ؟
يرد في تأكيد :
أقسم بالله قمت بحله .
فيكمل المعلم حصته وقد صدق حامد ، بينما يفخر حامد بنفسه وينظر لزميله خالد في فخر أنه إستطاع الهرب من العقاب.
حين عودة خالد للبيت زارتهم الجارة وبعد ذهابها سمع أمه وهي تتحدث مع صديقتها في الهاتف:
كلما زارتني جارتي لا أكف عن الضحك على أنفها الكبير.
ولما أغلقت الهاتف معها قالت لزوجها أن صديقتها ذات صوتٍ رفيع كما لو كانت طفلة ،
يثير الضحك في نفسها وبدأت هي وزوجها بالضحك.
الأسرة هي الأساس في غرس التنمر في نفس الإبن حتى ظن أنها من سمات خفة الدم فأصبح جارح الكلام منعدم التربية!
بينما أحمد والذي إنسحب سريعًا رغم أنه لم يُخطئ فعند العودة لبيته قصّ على أمه ما حدث وهو يبكي ،
وقبل أن يُكمل قاطعته وخرجت مُسرعة نحو المطبخ وهي تقول :
لا تأكل البسكويت وأرحنا من عناء بكائك كالفتيات.
فانكب على حزنه وحيدًا باكيًا فاقدًا الثقة بنفسه وشكله وقد قرر أن يترك ما يحبه ويتخلى عنه خوفًا وحرجًا من التنمر به مرة أخرى.
هنا الأسرة أسست في إبنها إنعدام الثقة بنفسه فبدلًا من إحتوائه وتوجيهه بشكل هادئ ومساعدته على ذلك ،
أثاروا إنعدام الثقة لديه وأرغموه على ترك ما يحب دون إكتراث لمشاعره البريئة ،
فأصيب بحزن قلبه وتهتهة الكلام لكثرة ما يلاقيه من توبيخ لحزنه الطبيعي ودفن لآرائه وعدم الإهتمام به.
أما عن حامد فعند دخوله البيت وجد أمه تقوم بحمل الحاسوب وترفعه إلى الطاولة ويبدو أن جزءًا منه انكسر ، فيسألها :
هل انكسر ؟
فتشير إليه بيدها :
إقرأ أيضا: عدة نصائح إذا طبقتها تغير حياتك للأفضل
هيا بدّل ملابسك قبل وصول والدك لنتناول الغداء جميعًا.
فيدخل غرفته وينفذ كلام أمه ويخرج من غرفته مع عودة والده ويجلسون لتناول الغداء ،
ثم بعد الغداء يتجه والده للعمل على الحاسوب فيجده مكسور ، فيصرخ في عصبية :
من قام بكسره ؟
ثم يواجه الأم بعنف :
هل كسرتيه وأنتِ تنظفي الطاولة.
فتقول على عجل :
أقسم بالله لم يحدث ولم أقترب منه بتاتًا اليوم.
فينسحب الزوج من المكان حاملًا الحاسوب لإصلاحه بينما تجلس الأم في راحة أنها تمكنت من إقناع زوجها بدلًا أن يصرخ عليها كعادته.
هذه الأسرة غرست في إبنها الكذب فاعتقد أنه وسيلة للهرب من أي مشكلة دون أي وجع للضمير.
الأسرة هي الأساس في غرس القيم والأخلاق في نفوس أولادها إن أحسنوا غرسها فلح وإن أساءوا فهذه نتيجة أفعالهم .