دكتورة تحاليل تعمل في مستشفى حكومي ، فقيرة جدا وسنها جاوز الثلاثين دون زواج ، تسكن مع أمها في شقة قديمة متهالكة.
بعد أن مات والدها الذي لم يترك لهم إلا قطعة أرض عليها نزاع بينهم وبين ناس كبار جدا ليس لديهم رحمة.
في يوم وهي قاعدة في المعمل ، دخلت عليها ست عجوز ومعها فتاة شابة تحمل طفل ويظهر على وجهها الضيق والحنق ،
قالت الفتاة الشابة وهي تجذب المرأة العجوز : خدي يا دكتورة اعملي للزفتة دي تحاليل ،
وإن شاء الله يطلع عندها سكر وتموت وتغور في داهية.
انفعلت الدكتورة وقالت لها : ليه كدة حرام عليكي ، دي مهما كانت حماتك هي اللي خلّفت جوزك وربّته وكبّرته ، اعتبريها أمك.
تأففت الإبنة وقالت للدكتورة : هي فعلا أمي مش حماتي ، بس انتي متعرفيش هي عاملة فيا ايه؟
دي ست مجنونة دي بترش على الناس مية وهم ماشيين في الشارع.
اللي قدامك دي أنا مستحملاها بقالي خمس سنين قاعدة معايا أنا وجوزي واكلة شاربة وعايشة ولا هاممها حاجة.
بس هو زمان كان عامل بسيط شغال باليومية يقدر يستحملها ،
لكن دلوقت هو مقاول كبير وربنا فتحها عليه مش هيقدر يستحملها وممكن يطلقني في أي لحظة بسبب عمايلها المجنونة.
والنبي يا دكتورة لو تعرفي تشوفيلنا دار مسنين نرميها فيها يبقى عملتي فيا معروف.
طبطبت الدكتورة على الأم العجوز وقالت للإبنة : أنا هاخدها تعيش معايا ، أنا وأمي عايشين لوحدنا ،
وخدي عنواني ورقم تليفوني لما تحتاجي تطمني عليها يبقى رني عليا.
فقالت العجوز المسكينة وعيونها تذرف بالدموع : يرضيكي كدة يابنتي تضربني كل يوم علشان برش على الناس مية ،
علشان أهون عليهم حر الصيف.
فاحتضنتها الدكتورة ، وذهبت بها إلى بيتها فاستقبلتها أمها أحسن استقبال ،
واعتبرتها أنيسة لها في وحدتها وهي التي تقضي اليوم كله في وحدة تامة وانعزال عن الناس.
إقرأ أيضا: كان هناك أخوان إثنين قررت والدتهما أن تزوجهما
وبعد عدة اسابيع اتصلت أم الدكتورة عليها وقالت لها : أنا عايزاكي تستأذني من المستشفى وتيجي النهاردة بدري ،
النهاردة جالك عريسين واحد دكتور شافك في المعمل والتاني مهندس كان شغال في الخليج ،
ظبطي حالك واشتريلك هدمتين حلوين قبل ما تيجي.
فقالت لها الدكتورة : والله يا أمي من ساعة مادخلت علينا الست الكبيرة دي والبيت اتملا فرحة.
مين كان يصدق أن احنا نكسب قضية الأرض اللي بقالنا عشرين سنة في محاكم وقضايا عليها.
مين كان يصدق أن أنا اترقى وانا عندي تلاتين سنة وابقى نائبة مدير المستشفى.
واديكي النهاردة بتقولي جايلي عريسين اختار منهم رغم سني اللي بيبقى فيه الفرصة ضعيفة جدا في الجواز.
في اليوم التالي اتصلت إبنة المرأة العجوز وهي تبكي وتقول : والنبي يا دكتورة أنا عايزة أمي ،
أنا هاجي أخدها دلوقت أنا عرفت قيمتها.
من يوم مافارقتنا والمصايب نازلة ترخ على دماغنا.
ابني اللي هو عندي بالدنيا كلها راقد في المستشفى دلوقت مابين الحياة والموت ،
وجوزي اتحبس بعد ما عمارة سكنية كان بانيها وقعت على السكان وموتت نصهم.
أنا جاية دلوقت آخدها ومش هفارقها أبداً.
جاءت الآبنة تقبل يد الأم وقدميها وهي تبكي في مشهد مهيب وترجوها أن تسامحها ،
فما كان من الأم إلا أن عاملتها بغلظة وقالت لها : انتي مين ، ابعدي عني.
ونادت للدكتورة وقالت لها : حوشيها عني يابنتي هي مين دي.
وجدت الإبنة سكينا على المنضدة فأعطته لأمها وقالت لها : اقتليني وريحيني ،
اقتليني يمكن ربنا يسامحني على اللي أنا عملته فيكي وينقذ ابني ، لأنه هو مالوش ذنب.
رمت الام السكين في الأرض واجهشت بالبكاء وضمتها في حضنها وهي تقول :
اقتلك ازاي وأنا روحي متعلقة فيكي ، اقتلك ازاي وانا مقدرش اعيش من غيرك يوم واحد.
إقرأ أيضا: بنت جائعة طلبت من أمها أن تعطيها خبزا لتأكله
لملمت الأم أشياءها وودعت الدكتورة وأمها وسط دموعهم وقبلت الدكتورة من وجنتيها ،
وشكرتها على حسن استقبالها وقالت لها : متعيطيش أنا كدة كدة جايالك كمان أسبوعين علشان أحضر فرحك.