قصص منوعة

ذئاب آخر زمن

ذئاب آخر زمن

إسمه مسعد ، زوجته مشاغبة وأطفاله الخمسة جياع ، وراتبه مصاب بأنيميا مزمنة الحياة.

عنده حلبة صراع لكنه لا يفوز ولا يهزم ، فقط يحتمي بالحبال عندما تتوالى الضربات عليه.

فهل يعقل أن يبالي رجل في مثل حاله بجرائم القتل المتعددة التي تحدث في قريته الصغيرة ؟

حتما لا يبالي.

في البدء تم اكتشاف جثة عبد القادر في مقابر القرية ، وهو فلاح بائس في منتصف العمر قضى أغلب سنوات عمره جائعا.

يعمل أجيرا وليست له صراعات ولا ثأر قديم ولا يوجد سبب معقول يدفع عاقلا لإغتياله ما لم يكن هناك مخبول يقتل للمتعة فحسب.

نفس الملابسات حدثت مع رضوان وأحمد والدمرداش ،

وتفاقم الأمر إلى الحد الذي صار عدم إكتشاف جثه جديدة مع كل صباح أمرا يبعث على القلق.

واجتاحت القرية شائعات تفاقمت مع جو الخرافة السائد في القرية المصرية ،

صاروا يعتقدون في وجود قوى خارقة للطبيعة لها اليد الطولى في هذا الصدد عندما زعم البعض رؤيتهم لكائن مخيف له ،

وجه ذئب وجسد رجل يتجول في الأنحاء بعد إنتصاف الليل .

ردود الأفعال صوب حوادث القتل المتعددة تباينت ، لم تكن لدى الأهالي مشكلة فقد أغلقوا أبوابهم بعد صلاة المغرب ،

وراحوا يراهنون على صاحب الجثة المقبلة ويرتقبون النهار في شغف وود ،

ولم تكن لدى الشرطة مشكلة فقد تجاهلوا الصرخات التي تتردد في المقابر لأن سمعهم ضعيف أو لأنها لم تحدث أو لأي سبب يروق لك.

مسعد بالذات لم تكن لديه مشكلة ، هو لا يعبأ بذئاب الأرض أجمعين فلديه في داره أشرس وأخبث ذئبة (زوجته).

إقرأ أيضا: فن المسافة

والعلاقة بينهما سلسة ، هي قد أحالت حياته نكدا مستمرا وهو يوسعها ضربا.

أما أطفاله فدائما ما تلوح في عيونهم نظرة جائعة سرمدية وهم ينطلقون أغلب الوقت خارج دارهم بحثا عن الطعام ،

كما تصنع الجوارح فقد أدركوا منذ نعومة أظافرهم أنها مشكلتهم وحدهم.

الوحيد الذي لم يحل مشكلته كالباقين هو مثقف القرية الأستاذ جمال الذي كان ينادي بنبذ الخرافات ،

1 3 4 10 1 3 4 10

أي هراء هذا الحديث عن كائن شيطاني له وجه ذئب وجسد رجل في مطلع القرن الجديد؟

يثق أن للأمر تفسيرا ماديا يقبله العقل لكنه لم يعرفه بعد ،

وهو بحاجة إلى متطوع يقبل مصاحبته لتفقد الأمر عند منتصف الليل في مقابر القرية.

بالطبع لم يجد من يوافقه على هذا الشطط.

مسعد هو الوحيد الذي أذعن له لأسباب لا دخل للشجاعة بها :

مائة جنيه وعده بها الأستاذ جمال ، وكان رأي مسعد في هذا العرض السخي صارما :

هي نزوة رجل مترف لا يعنيه المال لأنه لم يكتو بالفقر المدقع .

وإن من يبدي تلك الإستهانة بالمال لهو عدو له وإنه ليمقته.

بالطبع أوصاه الأستاذ جمال بالكتمان التام كيلا يتنبه القاتل الأثيم.

كان القمر في هذه الليلة باسما ضحوكا يرمق المقابر في حنان وود ،

ومسعد يسير بجوار الأستاذ جمال وهو مستغرق في أفكاره الخاصة ،

سيبتاع دجاجة ويلتهمها وحده لن يشاركه فيها أطفاله الأوغاد ولا زوجته و لا يوجد أحد في هذه الناحية فلنمض إلى الناحية الأخرى.

حسنا ، ولكن أسرع لن نقضي الليل بطوله نبحث عن ذلك الذئب المزعوم.

يبدو أن الأستاذ جمال لم ينم بالأمس وإلا فكيف تفسر عينيه الحمراوين ؟

بالطبع لن يخبر زوجته بنبأ الثروة. قطعا ستخال أنه سيتزوج.

حقا ولماذا لا يفعل؟ صابحه إبنة المرحوم الدمرداش بنت مسكينة وتصلح له.

فلنمض إلى هذا القبر؟
يبدو أن الأستاذ جمال مصاب أيضا بالإنفلونزا وإلا فكيف تفسر أنه يتكلم بتلك الطريقة الغريبة التي تشبه الفحيح؟

إقرأ أيضا: كصفحة بيضاء

سوف يطلق زوجته ، لقد قرر ذلك الآن ولا رجعة في قراره ، ولن يحفل بصراخها.

وإن ضوء القمر غريب حقا ويرسم ظلالا خادعة وإلا فكيف تفسر ما يلوح على ملامح الأستاذ جمال من تغيير؟

إنه يستطيل وتبرز أسنانه كأنياب الذئاب.

نعم أنا الذئب

قالها الأستاذ جمال وهو يستدير ، وكان ما شاهده مسعد مخيفا :

وجه ذئب على جسد رجل ، ولا تسألني عن تفسير ذلك فلست أعلم.

وأطلق الأستاذ حمال عواء مخيفا إرتعشت معه شواهد القبور.

لكن مسعد لم يعبأ ، أو كان إرتعاشه غضبا وليس خوفا.

لقد اتضح له الأمر ، إستدرجه الوغد بالمائة جنيه مثلما استدرج ضحاياه السابقين ،

الذي كان ينتقيهم من الفقراء المعدمين مثله بزعم البحث عن القاتل المجهول.

إقترب منه الأستاذ جمال (عفوا لم يعد أستاذا )

حتى صار يشعر بأنفاسه اللاهثة على جانب عنقه ثم عوى عواء منكرا.

كان مسعد غاضبا ، إن هذا الأمر الخارق للطبيعة لا يعنيه إلا من جانب واحد : لن يظفر بالمائة جنيه.

واعتمل الغضب في داخله وامسك بعنق الأستاذ ، أعني المذئوب بقبضة حديدية وقال له بصوت صارم.

إسمع ، ستعطيني المائة جنيها وإلا ،
الحقيقة أنه أدرك من ملمس عنقه أنه لا خدعة في الأمر.

هو ذئب ببساطة ، وتفسير ذلك لا يعنيه ، ما يعنيه هو :

المائة جنيه وإلا سأفتك بك.
فعوى المذئوب
سأفترسك ، أنا ذئب.

طفق مسعد الذي أعماه الغضب يكيل له الضربات وهو يردد في هستيريا :

المائة جنيه ، أعطني المائة جنيه حالا.

وما لبث المذئوب أن طفق يصرخ مستعطفا :
إرحمني أنا ذئب مسكين.

لن أرحمك ، أعطني المائة جنيه.
في المنزل ، المائة جنيه في المنزل.

فأمسك به من عنقه المشعر بقبضة حديدية لا ترحم إلى المنزل كي يظفر بالمائة جنيه.

وراح القمر يرنو إلى المشهد في سعادة شديدة فهو مشهد لا يتكرر كثيرا ،

الذئب يعوي مستعطفا ومسعد يأبى إطلاق سراحه إلا بعد أن يظفر بالمائة جنيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?