رؤيا يوم القيامة
يقول الرافعي : وكأني قد أعجبتني نفسي!
وسَرَّني أني قد ملأت سِجِلّات المَلائِكة بحسناتي ،
ورَجَوت أن أكون قد كُتِبتُ عندَ الله في الصّالحين
فنِمتُ لَيلَة ، فَرأيتُني في يَوم القِيامة ، والخَلقُ يمُوج بَعضَهم في بعضٍ والهَولُ هَولُ الكَون الأعظَم على الإنسان الضعيف ،
يُسأل عن كُل ما مسَّه مِن هذا الكَون.
وسَمِعتُ الصائح يقول : يا معشر بني آدم!
سَجَدَت البَهَائم شُكرًا لله ، أنه لَم يَجعَلها من آدم!
ورَأيتُ الناس وقد وُسِّعَت أبدَانهم ، فهم يَحمِلون أوزارَهُم على ظُهُورِهم مَخلوقَة مُجسَّمة ،
حتّى لكأن الفاسِق على ظَهره مدينة كلها مُخزِيات.
ثمّ قيل : وُضِعَت الموازين! وجِيء بي لوَزن أعمالي ، فَجُعِلَت سَيّئاتي في كَفّة ، وألقِيَت سِجِلّات حَسناتي في الأخرى.
فطاَشَت السجِلّات ، ورَجَحَت السيئات كأنما وُزِنوا الجَبَل الصّخري العظيم الضّخم بلِفَافة من القُطن.
ثم جَعَلوا يَلقون الحَسَنة بعد الحَسَنة مما كنتُ أصنَعه ،
فإذا تَحتَ كُل حَسنَة شَهوَة خَفية من شهوات النفس ،
كالرياء والغرور وحُب المَحْمَدة عند الناس وغيرها.
فلم يَسْلَم لي شيء ، وهَلَكَتْ عنّي حُجّتي ،
إذ الحُجّة ما يبيّنه الميزان ، والميزان لم يدل إلا على أنّي فارغ.
وسمعت الصوت : أَلَمْ يبقَ له شيء؟ فقيل : بقي هذا.
وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي ، فإذا الرّقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وإبنها!
فأيقنت أني هالك ؛ فلقد كنت أحسن بمائة دينار ضربة واحدة فما أغنت عني ،
ورأيتها في الميزان مع غيرها شيئًا معلّقا ، كالغمام حين يكون ساقطًا بين السماء والأرض ،
لا هو في هذه ، ولا هو في تلك.
إقرأ أيضا: أبو أمامة الباهلي وإسلام قومه
ووُضِعت الرقاقتان ، فرأيت كفّة الحسنات قد نزلت منزِلة ورَجَحت بعض الرّجَحان.
وسمعت الصوت : ألم يبقَ له شيء؟ فقيل: بقيَ هذا.
وأنظر ما هذا الذي بقي فإذا جوع إمرأتي في ذلك اليوم.
وإذا هو شيء يوضع في الميزان ، وإذا هو ينزل بكفّة ويرتفع بالأخرى حتى اعتدلتًا بالسوية.
وثبت الميزان على ذلك فكنت بين الهلاك والنجاة.
وأسمع الصوت : ألم يبقَ له شيء؟ فقيل : بقيَ هذا.
ونظرت فإذا دموع تلك المرأة المسكينة حين بكت ،
من أثر المعروف في نفسها ومن إيثاري إياها وابنها على أهلي ،
ووُضِعَت غرغرة عينيها في الميزان ، ففَارَت فطَمَّت كأنها لُجَّة من تَحت اللّجة بحر ،
وإذا سَمكة هَائلة قد خَرَجت من اللجّة.
وقع في نفسي أنها روح تلك الدموع
فجَعَلت تَعظُم ولا تزال تَعظُم ، والكَفّة تَرجَح ولا تزال ترجَح.
حتى سمعتُ الصّوت يقول : قَد نجا.