رجلان حجا بيت الله الحرام

رجلان حجا بيت الله الحرام وأثناء العودة إلى ديارهم جلسا في صالة الإنتظار بمطار جدة الدولي فتحدث رجل إلى الاخر وقال الرجل :

أنا أعمل مقاولا ، وقد أنعم الله علي بالحج
هذا العام للمرة العاشرة فأومأ الرجل الآخر وكان إسمه سعيد برأسه وقال :

حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا ، وذنبا مغفورا. وابتسم الرجل وقال : أجمعين.

وأنت هل حججت قبل ذلك؟

أجاب سعيد بعد تردد : والله يا أخي لحجتي هذه قصة طويلة ، ولا أريد أن أوجع رأسك بها.

ضحك الرجل ، وقال : بالله عليك أخبرني ، فكما ترى نحن لا نفعل شيئا سوى الإنتظار.

إبتسم سعيد وقال : نعم الإنتظار وهو ما تبدأ به قصتي ، فقد إنتظرت سنين طويلة حتى حججت ،

فبعد ثلاثين عاما من العمل معالج فيزيائي في مستشفى خاص ، إستطعت أن أجمع كلفة الحج ،

وفي نفس اليوم الذي ذهبت لأخذ حسابي من المستشفى صادفت إحدى الأمهات التي أعالج إبنها المشلول وقد كسا وجهها الهم والغم ،

وقالت لي : أستودعك الله يا أخ سعيد فهذه آخر زيارة لنا لهذا المستشفى.

إستغربت كلامها وحسبت أنها غير راضية عن علاجي لابنها وتفكر في نقله لمكان آخر فقالت لي :

لا يا أخ سعيد ، يشهد الله أنك كنت لابني أحن من الأب وقد ساعده علاجك كثيرا بعد أن كنا قد فقدنا الأمل به ومشت حزينة!

إستغرب الرجل وقاطع سعيد قائلا : غريبة طيب إذا كانت راضية عن أدائك ، وابنها يتحسن فلم تركت العلاج ؟

أجابه سعيد : هذا ما فكرت به وشغل بالي.

فذهبت إلى الإدارة وسألت فتبين أن والد الصبي فقد وظيفته ولم يعد يتحمل نفقة العلاج.

حزن الرجل وقال : لاحول ولا قوة إلا بالله ، مسكينة هذه المرأة.

وكيف تصرفت ؟

إقرأ أيضا: الإنسانية لا دين لها

أجاب سعيد : ذهبت إلى المدير ورجوته أن يستمر بعلاج الصبي على نفقة المستشفى ،
ولكنه رفض رفضا قاطعا وقال لي :

هذه مؤسسة خاصة وليست جمعية خيرية.

خرجت من عند المدير حزينا مكسور الخاطر على المرأة ، وفجأة وضعت يدي على جيبي الذي فيه نقود الحج ،

فتسمرت في مكاني لحظة ثم رفعت رأسي إلى السماء وخاطبت ربي قائلا :

اللهم أنت تعلم بمكنون نفسي وتعلم أنه لا شيء أحب إلى قلبي من حج بيتك ،

وزيارة مسجد نبيك ، وقد سعيت لذلك طوال عمري ولكني آثرت هذه المسكينة وابنها على نفسي ، فلا تحرمني فضلك.

وذهبت إلى المحاسب ودفعت كل ما معي له عن أجرة علاج الصبي لستة أشهر مقدما ،

وتوسلت إليه أن يقول للمرأة بأن المستشفى لديها ميزانية خاصة للحالات المشابهة.

تأثر الرجل ودمعت عيناه وقال : بارك الله فيك ، وفي أمثالك.

ثم قال : إذا كنت قد تبرعت بمالك كله فكيف حججت إذن ؟

فأجاب : رجعت يومها إلى بيتي حزينا على ضياع فرصة عمري في الحج ،

ولكن الفرح ملأ قلبي لأني فرجت كربة المرأة وابنها ، فنمت ليلتها ودمعتي على خدي فرأيت في المنام أنني أطوف حول الكعبة ،

والناس يسلمون علي ويقولون لي : حجا مبرورا يا حاج سعيد فقد حججت في
السماء قبل أن تحج على الأرض ،

دعواتك لنا يا حاج سعيد.

فاستيقظت من النوم وأنا أشعر بسعادة غير طبيعية ، فحمدت الله على كل شيء ورضيت بأمره.

إقرأ أيضا: يحكى أن رجلا ميسورا عاش في مكة

وما إن نهضت من النوم حتى رن الهاتف ، وإذا به مدير المستشفى الذي قال لي :

أنجدني فصاحب المستشفى يريد الذهاب إلى الحج هذا العام وهو لا يذهب دون معالجه الخاص ،

لكن زوجة معالجه في أيام حملها الأخيرة ولا يستطيع تركها ، فهلا أسديتني خدمة.

ورافقته في حجه ، فسجدت لله شكرا.

وكما ترى فقد رزقني الله حج بيته دون أدفع شيئا ، والحمد لله وفوق ذلك فقد أصر الرجل على إعطائي مكافأة مجزية لرضاه عن خدمتي له ،

وحكيت له عن قصة المرأة المسكينة فأمر بأن يعالج إبنها في المستشفى على نفقته الخاصة ،

وأن يكون في المستشفى صندوق خاص لعلاج الفقراء ، وفوق ذلك فقد عين زوجها بوظيفة في إحدى شركاته.

ورجع إلي مالي الذي دفعته ، أرأيت فضل ربي أعظم من فضلي؟

نهض الرجل وقبل سعيد على جبينه قائلا :
والله لم أشعر في حياتي بالخجل مثلما أشعر الآن ،

فقد كنت أحج المرة تلو الأخرى وأحسب نفسي قد أنجزت شيئا عظيما ،

وأن مكانتي عند الله ترتفع بعد كل حجة ، ولكني أدركت الآن أن حجك بألف حجة من أمثالي ؛

فقد ذهبت أنا إلى بيت الله ، أما أنت فقد دعاك الله إلى بيته ،

ومضى وهو يردد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام.

Exit mobile version