رجل يعمل جزارا يبيع اللحم ، وكان يذهب قبل الفجر إلى دكانه فيذبح الغنم ثم يرجع إلى بيته ، وبعد طلوع الشمس يفتح المحل ليبيع اللحم.
وفي أحد الليالي بعدما ذبح الغنم ، رجع في ظلمة الليل إلى بيته وثيابه ملطخة بالدم.
وفي أثناء الطريق سمع صيحة في أحد الأزقة المظلمة فتوجه إليها بسرعة ،
وفجأة سقط على جثة رجل قد طعن عدة طعنات ، ودماؤه تسيل والسكين مغروسة في جسده.
فانتزع السكين ، وأخذ يحاول حمل الرجل ومساعدته والدماء تنزف على ثيابه ،
لكن الرجل مات بين يديه.
فاجتمع الناس ، فلما رأوا السكين في يده والدماء على ثيابه ، والرجل فزع خائف ،
اتهموه بقتل الرجل.
ثم حكم عليه بالقتل.
فلما أحضِر إلى ساحة القصاص وأيقن بالموت ،
صاح بالناس ، وقال :
أيها الناس أنا والله ما قتلت هذا الرجل ، لكني قتلت نفساً أخرى منذ عشرين سنة والآن يقام علي القصاص.
ثم قال : قبل عشرين سنة كنت شاباً فتيا أعمل على قارب أنقل الناس بين ضفتي النهر ،
وفي أحد الأيام جاءتني فتاة غنية مع أمها ، ونقلتهما.
ثم جاءتا في اليوم التالي وركبتا في قاربي ،
ومع الأيام ، بدأ قلبي يتعلق بتلك الفتاة وهي كذلك تعلقت بي.
خطبتها من أبيها لكنه أبى أن يزوجني لفقري ،
ثم انقطعت عني بعدها ، فلم أعد أراها ولا أمها.
وبقي قلبي معلقاً بتلك الفتاة ، وبعد سنتين أو ثلاث كنت في قاربي أنتظر الركاب ، فجاءتني إمرأة مع طفلها ، وطلبت نقلها إلى الضفة الأخرى.
فلما ركبت وتوسطنا النهر ، نظرت إليها ، فإذا هي صاحبتي الأولى التي فرق أبوها بيننا.
ففرحت بلقياها ، وبدأت أذكرها بسابق عهدنا ، والحب والغرام.
إقرأ أيضا: بائعة الحلوى
لكنها تكلمت بأدب ، وأخبرتني أنها قد تزوجت وهذا ولدها.
فزين لي الشيطان الوقوع بها ، فاقتربت منها فصاحت بي ، وذكرتني بالله.
لكني لم ألتفت إليها ، فبدأت المسكينة تدافعني بما تستطيع ، وطفلها يصرخ بين يديها.
فلما رأيت ذلك أخذت الطفل ، وقربته من الماء وقلت إن لم تمكنيني من نفسك غرقته.
فبكت وتوسلت ، لكني لم ألتفت إليها.
وأخذت أغمس رأس الطفل فإذا أشفى على الهلاك أخرجته ، وهي تنظر إليّ وتبكي ، وتتوسل ، لكنها لا تستجيب لي.
فغمست رأس الطفل في الماء وشددت عليه الخناق وهي تنظر ، وتغطي عينيها ،
والطفل تضطرب يداه ورجلاه حتى خارت قواه وسكنت حركته ،
فأخرجته فإذا هو ميت ، فألقيت جثته في الماء.
ثم أقبلت عليها.. فدفعتني بكل قوتها ، وتقطعت من شدة البكاء ، فسحبتها بشعرها وقربتها من الماء ،
وجعلت أغمس رأسها في الماء وأخرجه وهي تأبى عليَّ الفاحشة.
فلما تعبت يداي ، غمست رأسها في الماء ، فأخذت تنتفض حتى سكنت حركتها ،
وماتت ، فألقيتها في الماء.
ثم رجعت ، ولم يكتشف أحد جريمتي ، وسبحان من يمهل ولا يهمل.
فبكى الناس لما سمعوا قصته ، ثم قطع رأسه.
ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون.
فتأملوا في حال هذه الفتاة العفيفة التي يقتل ولدها بين يديها وتموت هي ، ولا ترضى بهتك عرضها.