رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صل الله عليه وسلم نبيا ورسولا
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صل الله عليه وسلم نبيا ورسولا
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال :
( مَنْ قَالَ : رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ )
معقول ..
هذا الثواب الكبير على هذا العمل ، هذا أمر سهل ميسور ، ولكن عظمة الثواب على قلة العمل أمر لا يصدق.
هل الفوز العظيم ، بل الفوز الأعظم في الدنيا والآخرة ، وهو دخول الجنة ثمنه ثلاث كلمات :
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صل الله عليه وسلم نبيا ورسولا
لا ، لا أكيد هذا حديث ضعيف ، ولكن المفاجأة
أن هذا حديث صحيح ،
فقد رواه أبو داود في السنن (1529) ، والنسائي في السنن الكبرى (9748) ،
وابن حبان في صحيحه (863) ، والحاكم في المستدرك (1904) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وليس هذا فحسب بل روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صل اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ .
فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ ، فَقَالَ : أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَفَعَلَ ، ثُمَّ قَالَ :
وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ،
قَالَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ )
وهذ أيضا حديث صحيح
رواه الإمام مسلم في ” صحيحه ” (1884) والنسائي في ” السنن ” (3131) .
وأحمد في مسنده ( 11102) . وابن حبان في صحيحه (4612 ) .
فما معنى رضيت ؟
بعض الشراح فسر رضيت هنا بآمنت ، والبعض قال قنعت ، والبعض قال أحببت بالله ربا ،
أي بربوبيته وأنه مالكٌ وسيد وآمر ، وبالإسلام دينًا ، إنقيادًا وتسليمًا بجميع أوامره ونواهيه ،
وبمحمدٍ نبيًا ، أي بكل ما أُرسل به وبلغه.
إقرأ أيضا: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب
يقول إبن القيم رحمه الله : هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين ، وإليهما تنتهي ،
وقد تضمنا الرضا بربوبيته سبحانه وألوهيته ، والرضا برسوله والإنقياد له ، والرضا بدينه والتسليم له ،
ومن إجتمعت له هذه الأربعة فهو الصديق حقا. وهي سهلة بالدعوى واللسان ، وهي من أصعب الأمور عند الحقيقة والإمتحان ،
ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها.
فالرضا بإلهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ، ورجائه ، والإنابة إليه ، والتبتل إليه ،
وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه ، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له.
والرضا بربوبيته يتضمن الرضا بتدبيره لعبده ، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه ، والإستعانة به ، والثقة به ،
والإعتماد عليه ، وأن يكون راضيا بكل ما يفعل به.
فالأول يتضمن رضاه بما يؤمر به ، والثاني يتضمن رضاه بما يُقدَّر عليه.
وأما الرضا بنبيه رسولا فيتضمن كمال الإنقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ،
فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ، ولا يحاكم إلا إليه ، ولا يحكم عليه غيره ، ولا يرضى بحكم غيره البتة ،
لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته ،
ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه ، لا يرضى في ذلك بحكم غيره ، ولا يرضى إلا بحكمه ،
فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم ،
وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن إستعمال الماء الطهور.
وأما الرضا بدينه فإذا قال ، أو حكم ، أو أمر ، أو نهى : رضي كل الرضا ، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه ،
وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها ، أو قول مقلده وشيخه وطائفته ،
وها هنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم ، فإياك أن تستوحش من الإغتراب والتفرد ،
فإنه والله عين العزة ، والصحبة مع الله ورسوله ، وروح الأنس به ، والرضا به ربا ، وبمحمد صل الله عليه وسلم رسولا ، وبالإسلام دينا.
إقرأ أيضا: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته
فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض حصل له الرضا ولابد ،
ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه رحمة بهم ، وتخفيفا عنهم ،
لكن ندبهم إليه ، وأثنى على أهله ، وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم ، الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها.
فمن رضي عن ربه رضي الله عنه ، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه ، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده :
رضا قبله أوجب له أن يرضى عنه ، ورضا بعده هو ثمرة رضاه عنه ، ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم ،
وجنة الدنيا ، ومستراح العارفين ، وحياة المحبين ، ونعيم العابدين ، وقرة عيون المشتاقين “
وصفوة القول : أن رضيت بالله ربا ..
أي أمنت بالله ربا واقتنعت به ربا وإلها وسيدا وآمرا وحاكما ، ولم ولن أرضي ربا سواه.
وبالإسلام دينا ، أي إخترت دين الإسلام لي دينا مقتنعا به وراضيا به ولم ولن أرضي دينا سواه.
وبمحمد صل الله عليه وسم نبيا ورسولا
أي رضيت به رسولا واقتنعت به مبلغا ،
وأن كل ما جاء به من عند الله حق وصدق ، وأن محمدا صل الله عليه وسلم صادق في كل ما جاء به ، وكل ما أخبر به عن مولاه.