ركبت منذ فترة مع سائق سيارة أجرة صامت لا يتكلم سألته قبل الركوب عن وِجهتي ، وهل يستطيع إيصالي إليها فأجابني برأسه : نعم.
كلمته كعادتي مع كل من أرافقهم في طريقي ، فلا أحب أضيع فرصة لدعوة مسلم ولو رافقته ساعة.
كلمته في كل شيء ، في الدين والدنيا ، في المعاد والمعاش.
والرجل ساكت لا يرد ، فقط ينظر إلي مبتسما كأنه يوافقني.
حتى وقع في نفسي شيء من الضيق ، إذ وجدت نفسي متطفلا أكلم أحدا لا يكلمني ، وأمازح رجلا لا يمازحني!
غير أني كنت ألاحظ شفتيه بين الحين والحين تتمتمان بشيء لا أسمعه.
حتى إذا ما وصلت لوجهتي وهممت بإعطائه أجرته تكلم الرجل ولأول مرة فقال :
سامحني يا أخي ولا تحمل في نفسك شيئا علي ، فقد ركبت معي في الصباح الباكر ، وهذا وقت وردي من الذكر ،
وقد عاهدت الله تعالى ألا أكلم أحدا قبله.
لذا لا أبدأ في الكلام مع المخلوقين قبل أن أكلم الخالق وأناجيه بثلاثة آلاف تسبيحة ،
أو تحميدة أو تكبيرة أو تهليلة تزيد أو تنقص قليلا ، وقد ركبت معي وقت ذكري ، فلا تؤاخذني بما وجدت من صمتي!
شكرت الرجل ودعوت له بالخير ، وانصرفت آسفا على نفسي.
وأنا الذي أستثقل أذكار الصباح التي ربما لا تستغرق أكثر من سبع دقائق ، وأحارب نفسي حتى أفتح مصحفي لأقرأ وردي.
هزني سائق التاكسي من مجامع قلبي هزا ، وعلمني وهو في الشارع ما لم أعلمه أنا للناس في محاريب الدرس ،
وفوق المنابر بنفس بهاء المعنى وروعته.
إقرأ أيضا: اشتقت لنفسي
إبدأ بالله ، ثم استكمل بقية يومك ، ساعتها تلتذ بطعم اليوم ولو كان في حُلوق الناس مرا!
ما أروع الدين حينما يعاش واقعا من سائق الأجرة ،
وما أجمل الهدايات حين يسوقها الله إليك على ألسنة الذاكرين حقا.
ابدءوا حياتكم من عند الله ، إن أردتم السعادة والنجاة.