رواية لغة الطيور الجزء الثالث
رواية لغة الطيور الجزء الثالث
قال الملك : لا بد أن وراء كل ذلك سرا ، ولا بد أن أعرفه!
في الغد نزل الملك إلى الحديقة ونزع قلادة ثمينة من رقبته ورماها على الأرض ، وأوصى أحد الجواري بمراقبتها وإعلامه إن إقترب منها أحد.
كان إسكندر يزرع الزهور ، ولمّا رفع رأسه شاهد شيئا يلمع من بعيد ، أراد الذهاب لرؤيته لكنّه توقّف في منتصف الطريق ،
فلقد سمع غرابا يقول : للآخر : لقد نصب الملك فخّا في الحديقة ، ويريد أن يعرف من يعيد له أغراضه الضائعة!
لقد رأيته يرمي شيئا في الأرض.
رفع إسكندر رأسه إلى الشرفة ورأى جارية تطل منها.
قال الفتى : علي أن أحذر من هذا الملك ، فهو خبيث ، ولو قبض عليّ فلن يهدأ له بال حتى يعرف كل شيء.
بقيت القلادة في مكانها عدة أيام لم يلمسها أحد ، وفي الأخير إسترجعها الملك وقال : لا أعرف لماذا أشغل نفسي بهذا الأمر ،
ربما يكون ما حصل صدفة لا غير ، ونسي الحكاية.
بعد مدة خرج الملك مع رجال الصيد ، نصبوا شباكهم ووقع فيها أربعة بطات ملوّنة ،
لما رجع ، وضعهم داخل قفص في الحديقة.
أعطى واحدة للطباخ وقال له أريدك أن تعدها لعشائي ، لما أكل منها مرض ، وعجز الأطباء عن شفائه.
سمع إسكندر البط يتكلم ، وقال واحد منهم : سيندم الملك على إصطيادنا ، فهو لا يعلم أنّ لحمنا ثقيل على المعدة ، وسيمرض ويموت ،
ولا يعرف سوانا أنّ الدواء هو زهرة البنفسج البري ، وأرجو أن يطلقونا لما يكتشف القوم أننا لا نصلح للأكل!
إقترب منهم إسكندر ، وقال : سأطلقكم على شرط تقولون لي أين تنمو هذه الزهرة ،
فأنا لا أعرفها أجابه البط حسنا إنها لا توجد إلا قرب البحيرات ، وهناك واحدة شمال المدينة ،
ونحن نأكل منها وهي التي تعطينا كل هذه الألوان الجميلة! لكن من أين تعلمت لغتنا؟
إقرأ أيضا: رواية لغة الطيور الجزء الرابع
أجابهم هذه حكاية طويلة ربما نلتقي يوما ، وأقصّها عليكم!
فتح الفتى القفص وأطلقهم ، رفرفوا في الهواء وقالوا إتبعنا سندلك عليها فالبحيرة واسعة ولن تجدها بسهولة وسط الأعشاب والقصب.
بعد ساعة وصل الفتى وتعجب من جمال المكان ، وكثرة الطيور ،
لكن لم يكن له الوقت ليمتّع بصره قليلا ، فسيّده مريض وقد يموت!
لم يسأل نفسه لماذا هذا الحرص على حياة الملك؟ كل ما يعرفه هو أن يتحايل لإيصال الدّواء إليه ، دون أن يعلم أحد.
لمّا وصل إلى كوخ البستاني غلّى الزّهرة ، واستخرج زيتها ثم وضعه في قنينة صغيرة ، ودخل القصر ، وفكر في حيلة.
ذهب إلى الدهليز الذي يغسلون فيه الملابس ويجفّفونها ، واختار ما يناسبه من أزياء الخدم ، ثم دخل المطبخ ،
كان الجميع منهمكا في العمل ، واعتقدوا أنه أحدهم ، إقترب من القدر ، ونظر يمنة ويسرة ثم أفرغ فيها القنينة ،
وقال في نفسه : من يأكل من ذلك الحساء سيحسّ اليوم بالنشاط!
لم أكن أعرف أن الحديث مع الطيور مفيد فهم يعلمون كل شيء عن الطبيعة ،
سأطلب بعض أيام راحة وأذهب لتلك البحيرة الرائعة.
لمّا جاء خارجا لمحه رئيس الطباخين ، وكان رجلا ذو فراسة ، فسأله ماذا تفعل في المطبخ ، فأنا لا أعرفك!
أجاب: شممت رائحة الحساء فذخلت! غضب الرجل وقال له أتهزأ بي؟
نادى الحراس ، فأخذوه وألقوه في السّجن وقالوا له : ستبقى هنا يومين دون طعام ولا شراب حتى تتعلم الأدب.
قال إسكندر : من حسن حظي أنه رآني قرب الباب ، وإلا لكان موقفي سيئا.
يتبع ..