رواية لغة الطيور الجزء الثاني
رواية لغة الطيور الجزء الثاني
قال لهم إسكندر : كونوا حذرين ، فالقراصنة قريبون منكم ، وإذا لم تغيّروا إتجاه السّفينة ، فسنجدهم أمامنا!
سمع الرّبان نصيحة الولد ، وأدار الدّفة ناحية الشّرق ، ومن بعيد شاهدوا سفينة فيها صفّين من المدافع ، وكانت ترفع العلم الأسود ،
إقترب منه البحّارة وشكروه ، فلو واصلوا طريقهم لدقائق أخرى لوجدوها أمامهم !
كان إسكندر دائم التفكير ولم يعرف ما حصل ولماذا وجد نفسه فجأة في البحر ،
قال في نفسه قد يكون ذلك بسبب أغنية الطائر ، وقرّر أن لا يحكي عنها لأحد بعد الآن.
كانت الرحلة طويلة ، لكن الفتى لم يحس بها ، وكان سعيدا ، فهو يركب البحر لأول مرّة ، ووجد ذلك ممتعا.
وصلت السفينة إلى بلاد بعيدة ، وكان للرّبان أخ يعمل بستانيّا في حديقة القصر ،
فقبل أن يأخذه معه ، ويعلمة الاعتناء بالأزهار والأشجار ، وبعد مدة برع إسكندر في ذلك ،
فلقد كان يحب الطبيعة والحيوانات.
أعجب به الرجل وقال له ستبقى معي ، وأكلم الملك يجعل لك أجرا.
ذات يوم كان يقلع الأعشاب الجافّة ، وإذا به يسمع حمامتين تتحدّثان وقالت أحدهما للأخرى :
البارحة جاءت إمرأة ، حفرت تحت هذه الشجرة ، وأخفت شيئا ، ثم ردّت عليه التّراب ، ولقد أزعجت فراخي.
قال الآخر : هل تعرفها؟ أجاب نعم إنّها من خدم الملك!
أحسّ إسكندر بالفضول ، وحفر فوجد جرابا فيه آنية من الخزف ، وعرف أنّ أحدا يسرق الملك ، ويعطي شريكه الغنيمة ليبيعها.
كان الملك على علاقة مع أحد جواري القصر ، وكانت تضع له رسائلها داخل آنية خزفية في بهو القصر ،
ولما تمرّ كل صباح ، تلتفت يمنة ويسرة ، ثم تأخذ رسالته ، وكانا يتقابلان سرّا في الليل دون أن يعلم أحد.
ذات يوم إستيقظ الملك ليجد أن الآنية ، وما فيها قد إختفى.
أحسّ بالضّيق والإنزعاج ، وسأل عنها كل الخدم ، وخشي أن تقع رسائله في يد شخص يكنّ له العداء فيعلّقها في الأسواق ،
وتسمع به العامّة ، فتقلّ هيبته عندهم ، وعليه أن يعثر عليها دون ضجة.
إقرأ أيضا: رواية لغة الطيور الجزء الثالث
كانت الآنية من النّوع الغالي ، فمن تجرّأ وأخذها؟
في الصباح قال البستاني : اليوم يبدو الملك غاضبا جدا ، لقد سرق ، أحدهم أمتعة القصر ، وسألنا جميعا ، وطالب بإرجاع ما أخذوه ،
ووعد أنه لن يعاقب أحدا ، وإلا فالويل لنا.
تذكّر الفتى ما حصل له بسبب أغنية الطائر ، وقال: إن أخبرته بما سمعت من الحمامتين ، فلن يصدّقتي ،
وربما يظن أنّي السارق ، لكن بإمكاني أن أدخل للقصر ، وأرجع الآنية دون أن يشعر الحرس.
ربّما تخاف المرأة التي تسرق ، وتعرف أنّ هناك من كشف أمرها ، لقد تعلمت أنّ الكتمان قد يكون مفيدا في بعض الأحيان.
في المساء حفر تحت الشّجرة ، ثم قطف بعض الأزهار ، ووضعها في المزهريات على جوانب الرواق ، ثم أرجع الإناء إلى مكانه ، وخرج.
لمّا مرّ الملك رأى الإناء ، ونظر داخله ، فوجد الرسائل كما هي لم يمسسها أحد فتعجّب ،
وقال : لم أكن أتصوّر أنّهم سيرجعونه بسرعة ، إنه يساوي الكثير من المال!
في يوم آخر ، نزع الملك خاتمه ، ووضعه على الطاولة ، فجاء طائر خطفه واتجه إلى عشه على أحد أشجار القصر ،
كان إسكندر يجمع الأغصان الجافة فسمع الطائر يقول لصديقه : لقد سرقت خاتم الملك ، وزيّنت به عشّي ،
فأنا أحبّ الأشياء اللامعة.
لمّا ذهب الطائر ، صعد الفتى إلى العشّ وأخذ الخاتم ، ثمّ دخل إلى القصر ،
وجد الخدم يحملون فطور الملك فاقترب منهم ، ودسّ الخاتم وسط الخبز ، ثمّ واصل طريقه دون أن ينتبه له أحد.
جلس الملك وامرأته ، ولمّا وضع الخبز في فمه أحسّ بشيء صلب ، لعن الخبّازين ثم أمسكه بين أصابعه ، ونظر إليه ، فتعجّب ،
وقال: مرة أخرى أجد الأشياء الضائعة أمامي! هذا أمر لا يصدّق.
يتبع ..