رواية لغة الطيور الجزء الرابع
رواية لغة الطيور الجزء الرابع
كان الملك يجلس في فراشه ، وقد ظهر عليه الإعياء الشديد ، فمنذ أن أكل من ذلك البط ، وحالته تسوء يوما بعد يوما ،
أصبح لونه شاحبا ، وعينيه غائرتين ، ولم تنفع الأدوية التي وصفها له الأطباء.
دخلت أحد الجواري بصحفة الحساء وقالت له : الطعام يا مولاي!
رد عليها أبعدي عني الصحفة ، فلقد كرهت كل شيء.
قالت : ليس فيها سوى الخضار والفطر ، فنحن نعلم أنك كرهت اللحم بسبب تلك البطة اللعينة ، هيا سأطعمك بنفسي.
نظر الملك إلى الجارية فوجدها جميلة ، وقال لها حسنا ، لأجل عيونك الخضراء سأتناول ملعقتين لا أكثر!
لمّا تذوّق الحساء ، قال : رائحته جميلة ، ماذا وضعتم فيه؟
ردت : لا أدري ، لعلّ الطباخ أضاف إليه شيئا من حشائش الغابة.
إنفتحت شهية الملك ، وأتم طعامه ، ثم طلب شرابا ساخنا ونام.
أما الملكة فلما أكلت وابنتها نورا من ذلك الحساء أحستا بالنشاط يدب في أوصالهما ،
فخرجتا تتمشيان في الحديقة ، وكانت البنت تعاني من صداع منذ الصباح ، فخفّت ما بها من علة.
في الليل لما جاءت الملكة لتنام وجدت زوجها مستيقظا ، وقد رجع إليه لونه ، فتعجبت وقالت : أرى أنك أحسن حالا ، كيف يمكن هذا؟
أجاب : إنه الحساء ، هزت الملكة رأسها وقالت لا شك في ذلك ،
لقد شممت رائحته الزكية وليس من المصادفة أن نفسي اليوم رائقة.
يجب أن نحضر الطباخ ، ونعرف منه سرّ الأعشاب التي وضعها في القدر ومن أين علم بأمرها ،
الأطباء أنفسهم لا يعرفونه ، وإلا لوصفوها لك منذ زمن!
لمّا مثل الطباخ أمام الملك ، أحس بالقلق ، فلم يخبره أحد بالسّبب الذي إستدعاه من أجله ،
ولما رآه منبسطا أحس بالرّاحة ، وقال له : سلامة مولاي ، لقد سمعنا بمرضك ، لكن صحتك تبدو جيدة اليوم ، وهذا شيء جيّد!
أجابه الملك : الفضل يرجع للحشائش التي وضعتها في القدر! هل لي أن أعرف اسمها ، وكيف علمت منفعتها؟
إقرأ أيضا: رواية لغة الطيور الجزء الأخير
دهش الطبّاخ ، ولم يفهم مقصد الملك ، خاف أن يقول له أني لا أعلم ما في القدر فيعاقبه.
فكر قليلا ، وقال آه الحشائش ، إنها سرّ وعدت أن أحفظه ، أرجو أن يفهم مولاي الوضع!
قال الملك أمامك حتى ظهر الغد لتخبرني عن عنها ، وإلا ضربت عنقك ، هل فهمت؟
إحتار الطباخ ، ولم يعرف ماذا يفعل ، وسأل كل الخدم والجواري في المطبخ إن وضع أحدهم شيئا في القدر ، فلم يجب أحد ،
وقال في نفسه : لقد هلكت ولما جاء خارجا تذكر الفتى الذي رماه في السجن ،
فذهب إليه ، وأخبره بقصّته.
قال إسكندر سأفصح لك عن النبتة مقابل إطلاق سراحي ، ولا أريد للملك أن يعلم أمري ،
فأنا تلميذ البستاني ، ولمّا رأيت سيّدي مريضا ساعدته بما أعرف من أسرار النبات.
فرح الطباخ ورجع للملك وقال له النبتة اسمها زهرة البنفسج البري ، وسأضع منها كل يوم في طعامك!
في أحد الأيام كانت الأميرة في الحديقة ، وشاهدت إسكندر يعتني بالزهور والأشجار ، فأعجبتها وسامته ، وحبه للطبيعة ،
فلقد كان يعاملها برفق ، ولاحظت أن العصافير لا تخاف منه فتعجبت من ذلك ،
واقتربت منه ، وقالت : أنا الأميرة نورا ، وأريدك أن تعلمني كيف أجعل الحديقة جميلة ،
لقد مللت من حياة القصر ، وأريد أن أقوم بشيء مفيد!
بمرور الوقت شعرت الأميرة بالحب يتسلل إلى قلبها ، وأصبحت تنزل كل يوم إلى الحديقة تساعد إسكندر ،
وأصبح ما حول القصر جنة خضراء مليئة بالرياحين والأطيار.
لاحظ الملك إهتمام إبنته بالبستاني ، وقال لإمرأته : لا بد أن نزوّجها لتنسى هذا الفتى ،
فإني أخشى أن تقع في غرامه فهو وسيم وتبدو عليه الفطنة!
ردت الملكة: هل تفكّر في أحد؟ قال : نعم ، إبن أخي ، أعرف أنها لا تحبه لكن عليها أن تقبل به رغم أنفها ،
وسأنقل ذلك الفتى إلى مكان بعيد لكي لا تراه نورا وتنساه.
في الغد نزلت الأميرة إلى الحديقة ، لكن لم تجد إسكندر ، سألت معلمه ، وقالت لا أرى تلميذك اليوم ، هل هو بخير؟
أجابها : لم يعد هنا ، لقد أرسله أبوك إلى أحد ضيعاته ، وأنا لا أعلم عنه شيئا.
يتبع ..