روفا والوحش
روفا والوحش
قبل مئات الأعوام ، في العصور الغابرة بإحدى القرى ، كانت تعيش عائلة مكونة من ستة أفراد الوالدين وأربعة أبناء ،
وفي تلك الفترة من الزمن السحيق ، تمتع الناس بالكثير من الخوارق ، والمعجزات التي كانت تمنح للكثيرين.
وكانت تلك الأسرة الصغيرة ، تدخر بقدرات أفرادها المختلفة ، حيث كانت الفتاة تدعى روفا ،
والأشقاء الأربعة قد ورثوا قوتهم وشدتهم من والدهم إينوفا ،
الذي كان يستطيع أن يقتل ثورًا ضخمًا ، بضربة واحدة فقط من قبضة يده.
كان جميع من بالقرية يهابون تلك الأسرة كثيرًا ، فكل منهم يتمتع بقدرة خارقة بخلاف شقيقه ،
فمثلاً الإبن الأكبر يستطيع أن يخترق الأرض والبحار ، والأصغر منه يستطيع أن يشاهد ما يحدث خلف الجدران ،
بينما الذي يليه يستطيع أن يسمع عبر الجدران وأصوات قطرات الندى في الصباح الباكر أيضًا ،
أما الأصغر لهم جميعًا يستطيع أن يسمع أي شيء ، دون علم من أصحابه.
وكانت من بين تقاليد تلك القبيلة ، أنهم يوميًا ما يجتمعون ليلاً ، ليتبادلوا أطراف الحديث سويًا ،
ويرون أحداث اليوم وما جد عليهم من مشاكل ، أو أمور طارئة يعملون على حلها سويًا ، وفقًا لقوانين القبيلة القديمة.
وفي إحدى الليالي سمع الساهرون ، صوتًا أجشًا يصحبه رائحة نتنة للغاية ، فقاموا جميعًا مسرعين يحملون أسلحتهم واستعدوا فورًا للقتال ،
ولكنهم لم يلحقوا بالوحش المتربص بهم ، إذا فر هاربًا منهم بأقصى سرعة ، واختفى عن الأنظار.
هنا اقترح بعض الحضور ، أن يقوموا ببناء كوخ من الطين ، يضعون به أسلحتهم ويعملون على حراستها ،
واقترحوا أن يقوم إينوفا والد روفا بحراسة هذا الكوخ ، ووافق بالطبع لأن أبناء القبيلة ذو أهداف واحدة ، ويعملون بيد واحدة ،
وكانت روفا إبنته تعد له الطعام ، وتأتيه به مرة في الظهيرة ومرة أخرى بالمساء.
وكان الأب قد اتفق مع إبنته على كلمة سر تقولها له ، وأن تطرق يديها بالأساور فيسمعها أبيها فيفتح لها الباب.
إقرأ أيضا: قصة الملك المتجبر مع العجوز وكوخها
وفي أحد الأيام استرق الوحش السمع ليعلم كلمة السر ، وانتظر قليلاً ثم ذهب للأب وحاول تقليد صوت الإبنة ،
ولم يكن لديه أساور فعرفه الأب فورًا ، ورفض أن يفتح له الباب.
اغتاظ الوحش جدًا ، وذهب إلى حكيم القرية وسأله أن يدله على شيء ، يجعل صوته ناعمًا كفتاة صغيرة ،
وأن يدله على شيء آخر ، يستطيع أن يصدر صوتًا كالأساور ، ليبهج بها أطفال القرية.
فأرشده الحكيم بأنه يستطيع أن يتناول دهن الغنم ، ثم يذهب بها إلى عش النمل ويدعها تأكل الدهن الذي في فمه ،
حتى يزيح طبقات الدهون حول الحنجرة ، فيصير صوته كالفتيات الصغيرات ،
أما عن الأساور فيستطيع أن يذهب إلى الشاطئ ويجمع بعض القواقع ، ويربطها جيدًا ببعضها فتصدر صوتًا جميلاً ، يبهج الجميع.
قام الوحش بتنفيذ ما أشار عليه به الحكيم ، ثم عاد إلى الوالد وأخبره بأنه إبنته روفا ، ثم طرق بالأساور فاطمأن الأب ،
ولكنه ما أن فتح الباب حتى وجد أمامه ، غولاً أحمر العينان يحملق فيه ، ويقول له أخيرًا سوف ألتهمك دون أن أترك منك جزء واحدًا ،
ثم بدأ بالتهام الرجل من قدميه أولاً حتى لا يستطيع الهروب ، وما لبث أن قضى عليه تمامًا.
وصلت روفا إلى الكوخ فوجدت الباب مفتوحًا على مصراعيه ، فدخلت لتطمئن على أبيها ،
فما وجدت منه سوى بقايا لحم وعظام ودماء ، فصرخت ولكن الوحش كان أسرع منها ،
فقيدها بشعر جسده القوي ، وحملها وانصرف بها.
ظلت روفا تصرخ حتى سمعها شقيقها ، وأخبر إخوته أن شقيقتهم في خطر ، فانطلقوا بحثًا عنها ووجدوا بقايا أبيهم ،
فدلهم شقيقهم مرهف السمع على مكانها ، وذهبوا جميعًا لإنقاذ شقيقتهم ، التي ما أن رأتهم حتى انفرجت أساريرها ،
وأخبرتهم أن الغول قيدها حتى يتزوج منها ، فاختبأ إخوتها ، حتى رآه شقيقها حاد البصر وأخبرهم أن الوقت قد حان ،
فانطلقوا وفك وثاق شقيقته.
ثم انطلقوا جميعًا هاربين ، ولكن شقيقهم حاد البصر أخبرهم أن الغول قادم ، فقام الشقيق الأكبر بحفر حفرة عميقة اختبئوا فيها جميعًا ،
حتى أتى الوحش وهو يشم رائحة البشر ، ولكنه لا يراهم وظل يبحث كثيرًا ، حتى أرهق ويأس فعاد إلى كوخه المظلم ،
وهنا نجا الأشقاء جميعًا ، وذهبوا وحذروا أهل القرية ، الذين نصبوا فخًا للوحش وقضوا عليه ، وأخذوا بثأر إينوفا الأب.