زواج الأقارب الجزء الثاني والأخير
لقد وضحت لخالي سوء الفهم الذي حصل حالما عرفت بسبب انقطاعهِ عنا ،
لكني صُدِمْتُ بإصرارهِ على رأيه بأني أنا الذي جعلتُ ابنته وزوجتي تعتقدانِ أني أحبهما بسبب مزاحي معهما وإطراءاتي لهما بكل مرة أراهما بها ،
غير الأحاديثِ التي كنتُ أفتحها معهما ، وبَقِيَ منقطعا عن الجميع سنتان.
كانت تلك السنتين من أسوأ السنين التي عشتها ، فقد كنتُ أختنقُ من الخيبة بمن كانوا أقرب الناس لي ،
بدءاً من قطيعة الرحم التي حصلت ورابط القرابة الضعيف الذي قطع عند أول مشكلة ، إلى التمسك بسوء الظن ،
وسمعتي التي أصبحت سيئة بين الناس.
ولأنَّ زوجتي هي التي أشْعَلَتْ فتيلَ المشكلة ، كنتُ أراها دوماً السبب بالحزن الذي أعيشه ،
رغم أني حاولت جاهداً أن أنسى ما فعلت ، لكن الألم كان أكبر من قُدرتي على النسيان أو التَّحمُل ،
مما جعلني أُطَّلِقها وأسافرُ للعيشِِ في دولةٍ مُجاورة.
من أول سنةٍ تعرفت على فتاة بالعمل ، بعد أن مَضَتْ بضع أشهر التَقَينا بشكل يومي.
فَبَادَرَتْ هي بدعوتي لاحتساءِ القهوة كوني ضيف لديهم ، وبعدَ بضعِ لقاءات سألَتَني عن وضعي الإجتماعي ،
ثمَّ عن سبب الطلاق فَأَخبَرْتُها بكل ما حَدَث.
ولم تمضي بضعة أيام حتى اتَّصَلَتْ بي قائلة : أبي يرغب بالتعرُّف إليك.
ذهبْتُ للقاءِهِ وأنا أتعجب من سببِ رغبَتِهِ بالتعرُّفِ بي.
عندما دخلتُ وبعد إلقاءِ التَّحيةِ قالَ لي : أخبَرَتْني ابنتي بكل ما حَدَثَ معك فطلبتُ لقاءَكَ لتُعيدَ لي ما قلته لها.
لم أفهَمْ سببَ ذلك ولم أسأله حتى ، فقد كان حديثي مرة أخرى عن خيبتي بأقاربي ،
فرصةً كي أخفف حزني كوني لم أُخبِر أحدا بألمي قط سوى ابنته.
إقرأ أيضا: الصبي الذي صار إماما
وبعد بضعةِ أيام اتصل بي والدها شخصيا ودعاني لتناول الغداء ، وبعد أن انتهينا قال لي :
لقد مَنَّ الله عليَّ بنعمةِ أني أعرِفُ الخبيث من الطيب من بني البشر بمجرَّد أول حديثٍ لي معهم ،
وهذا الذي جعلني أُبعِدُ عن طريقي كل من أرادَ بي وبعائلتي سوءاً ،
وجعلْتُ مكانة عائلتي بين النّاس بالأعالي بالسمعة الحسنة بسبب معاشرتي للناس الطيبة ،
ويشهد الله أني قد صَدَّقتُكَ وارتَحْتُ لك من أوّل لقاءٍ بك وأريدُ تزويجَكَ ابنتي ،
وكأنَّ الله قد اصطفاكَ لها من بين كل العرسان الذين تقدموا لها ورفَضْتُهم لعدم شعوري بالراحة لهم.
شعرتُ حينها أن كل الألم الذي عشتُهُ قد اختفى بلحظة فقد جبر خاطري بتلك الكلمات التي قالها ،
وأنَّ الله قد كشفَ لي الزَّيفَ الذي عشته ليدُّلني على أناس صادقة صريحة مُتحابّة.
وافقتُ بنفس اللحظة على الزواج بابنته ، وأصرَّ أبيها أن يتكّلف بمصاريف قدوم أمي وأبي وأختايَ الصغيرَتَين لحضورِ حفل الزفاف ،
وبعدَ أن تمَّ الزواج عشتُ أجملَ السنين مع زوجتي وعائلتها ،
وأصبَحَتْ حياتي مملوءة بالحب والتفاهم ، فلم يكنْ أحد منهم يسمح لسوء فهمٍ أو ظن بأن يُخَرّب علاقته بأي فردٍ من العائلة ،
وبتُّ أَنْدَهُ لكلِ واحدٍ منهم كما تَندَهُ زوجتي لهم أمي وأبي ، أختي وأخي.