سمعت ذات مرة زوجها يحادث نفسه :
لو أمكنني أن أُغَيّرَ التي بلاني أبي بها.
فحركت تلك الكلمات بداخلها بركاناً من الغضب ، أطفأه بحر من الحزن ، عندما تذكرت الفجوة التي بينهما فابتلعت ألمها ،
لأنه الرجل المثقف خريج الجامعة ، وهي المرأة التي بالكاد تفك الكلمات ، فهيهات بينه وبينها ،
لكن أباه كونه قد تكفَّلَ بمصاريف جامعته ، وساعده لفتح مكتبه الهندسي الخاص ،
قد اشترط عليه الزواج بفتاة ليست من بنات الجامعات كونهن يُصادقن شباباً تحت مُسمّى الزمالة ،
لتتطور لصداقة وخروجات وربما سهرات ، فكان أباه لا يحتمل فكرة أنْ تكون زوجة إبنه قد خرجت مع صديقها لتناول الغداء يوماً ما ،
ولكي يدرأ الشكوك ، زوجّه إبنة عمه وهي في عمر الورود.
وبعد مضي سنوات قليلة ، أصبحَ اسمه يلمع في عالم العمارة ، ويُدعى على مناسبات الطبقة الراقية ،
فبدأ يشعر بالخجل من اصطحاب زوجته معه ، خشية أن تُسأَلَ شيئاً لا تعرف كيف ترد عليه ،
فتعرَّف على إمرأة جامعية صادفها بمناسبة دُعِيَ عليها ، وقد كانت كموسوعةٍ علميةٍ متنقلة ، وبعد أن تبادلا أطراف الحديث ،
ودعاها لمكتبه ، تتالت اللقاءات ، وقرر الزواج بها ، ووافقت أن تكون زوجة ثانية بعد أن شرح لها السبب ،
لكن بعدما صارح أبيه بقراره إنفجر بوجهه غاضباً وقرر أن يحرمه من الميراث ، فلم يأبه لذلك بل ترك زوجته بمنزل أبيه دون أن يطلقها ،
ومضت سنتين بدون أن يسأل عنها ، وهولا يعلم ما كان يُخبئُ له القدر .
بكل شهر كان يمضي من زواجه الثاني ، كان يزدادُ تعلقاً بها ، لعلمها وذكائها الذي يسطعُ من عينيها ،
غيرَ أنها باتت معروفةً ومحبوبةً عند نساءِ الطبقة الراقية ، وأصبح يتباهى بها أكثر من تباهيه بعمله ،
لكنها لم تكترث للمظاهر ، فقد كان همها الوحيد أن تنجب طفلاً ، وبعد أن فاض بها الحال ، لمرور سنتين لم تَحمِل بهما ،
أَصَرَّتْ أن تزور أطباء كي تطمئن على حالها ، وبرغم من محاولاته تهدئتها بأنَّ حملها عندما يُقَدَّر ، سيحصلُ بوقته ، لكنها رفضت.
إقرأ أيضا: عند المساء عاد واستأجر غرفة في الفندق المجاور لمنزله
وقبل يوم من ذهابها ، عاد بها الزمن عندما سألته عن سبب مرور سنين من زواجه الأول وعدم حمل زوجته ،
فأخبرها أنه برغم حبه للأطفال ، لكنه لا يريدها أن تُصبِحَ أماً لأطفاله ، فقد كان يجول بداخله دوماً الزواج بأخرى .
زارَتْ عدة أطباء أكدوا أن لا مانع من حملها ، فطلبت منه أن يزور الطبيب للإطمئنان ، فرفض رفضاً قاطعاً في البداية ،
لكنها حين هدَّدَتْهُ أنها ستترك المنزل قُبيل دعوة هامة دُعيا إليها ، رضَخَ لكلامها ،
ومن زيارةٍ لأول طبيب أكَّدَ لهما أنَّه من المستحيل أن يصبح أب ، فاشتعلت نيران الغضب داخلها ،
فقد أكّد ذلك شكوكها ، عندما شعرت أنه على علم مسبق بانعدام فرص حملها بسبب لامبالاته ،
غير أنها كانت تشعرُ بتوتره عندما تقول له ، سنزور الأطباء للإطمئنان على وضع كلينا ، مما جعلها تترك المنزل وتطلب الطلاق ،
فأصبحَ يتَخبَّط كالمجنون من تصرفها ، وشاء القدر بذات الوقت أنه كان قائماً على تصميم مزرعة فريدة على شكل قصرٍ لرجل أعمال مهم ،
مما جعله يرتكبُ خطأً فادحاً لم يدرِكهُ إلا بعد أن انتهوا من البناء فلاقى سَخَطَ المالكِ وكل من رآها ،
مما جعلهم يقطعون التعامل معه ، وتدريجياً تدهور وضعه المادي ، وبعد أن تم الطلاق ،
لم يجد أمامه سوى أن يلجأ لأبيه ، لكنه طرده من المنزل بدون شفقة ، فذهبت زوجته الأولى إليه دون علم عمها ،
كي تتنازل له عن حصتها من أملاك عمها التي كتبها لها ، ليأخذها ويسافر إلى دولة أخرى يؤسس حياته بها .
إقرأ أيضا: خيانة يظنها مشروعة
لم يتردد لحظة بقبول ذلك ، ثم رَجوها أن تسافر معه ، لكنها رفضت ورَجَته أن يُطلقها ،
لأنها عاشت لسنوات بكذبة عندما جعلها تحيا على أمل أن تصبح أم ، ولم تكن تعلم أنَّ حملها مستحيل ،
ولو صارحها من الأول كانت رَضِيَتْ بالأمر الواقع ، وانتزعَتْ من رأسها فكرة الأمومة ، لكن كذبه عليها زاد من ألمها ،
غير أنه كان يخبر أبيه دوماً أن الوقت لم يحن لذلك ، فكثير من الأزواج انتظروا سنوات ثم رُزِقوا بمولود .
سافر لدولة أخرى وكله أمل أن يؤسس من جديد حياته التي خسرها ويُعيدَ ابنة عمه إليه بعد أن تسامحه بمرور الوقت ،
فقد أصبحَ على يقينٍ بأنها لا تزالُ تحبه ، وعندما لم تُساعده الظروف ، عادَ كي يعملَ مساعدَ مهندس ويعيدَها إليه ،
لكنه فوجِئَ أنها طَلَّقَتْ نفسها منه بمساعدة أبيه وتزوجت رجلاً آخر وحامل بطفلها الأول ،
فاحترق فؤاده على الجوهرة التي أضاعها من بيت يديه ، وعانى من أزمة نفسية شديدة ،
فلم يتخلى عنه أبيه بل قرر أن يُزَوجهُ امرأة توفي زوجها بحادث سير وعلى يدها طفل رضيع ،
وكانت بالتعليم تساوي إبنة عمه ، فرضِيَ بقرار أبيه وتزوجها واعتبر ابنها ابناً له.