سورة التغابن – تفسير السعدي
” يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير “
ينزه الله عما لا يليق به كل ما في السموات وما في الأرض ، له سبحانه التصرف المطلق في كل شيء ،
وله الثناء الحسن الجميل ، وهو على كل شيء قدير.
” هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير “
الله هو الذي أوجدكم من العدم ، فبعضكم جاحد لألوهيته ، بعضكم مصدق به عامل بشرعه ،
وهو سبحانه بصير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها ، وسيجازيكم بها.
” خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير “
خلق الله السموات والأرض بالحكمة البالغة ، وخلقكم في أحسن صورة ، إليه المرجع يوم القيامة ، فيجازي كلا بعمله.
” يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور “
يعلم سبحانه وتعالى كل ما في السموات والأرض ، ويعلم ما تخفونه – أيها الناس – فيما بينكم وما تظهرونه.
والله عليم بما تضمره الصدور وما تخفيه النفوس.
” ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم “
لم يأتكم أيها المشركين خبر الذين كفروا من الأمم الماضية قبلكم ،
إذ مسهم سوء عاقبة كفرهم وسوء أفعالهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع؟
” ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد “
ذلك الذي أصابهم في الدنيا ، وما يصيبهم في الآخرة.
بسبب أنهم كانت تأتيهم رسل الله بالآيات البينات والمعجزات الواضحات ، فقالوا منكرين : أبشر مثلنا يرشدوننا؟
فكفوا بالله فجحدوا رسالة رسله ، وأعرضوا عن الحق فلم يقبلوه واستغنى الله ، والله غني ، له الغنى التام المطلق ،
حميد في أقواله وأفعاله وصفاته لا يبالي بهم ، ولا يضره ضلالهم شيئا.
إقرأ أيضا: سورة القيامة – تفسير السعدي
” زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير “
ادعى الذين كفروا بالله باطلا أنهم لن يخرجوا من قبورهم بعد الموت ،
قل لهم – يا محمد – : بلى وربي لتخرخن من قبوركم أحياء ، ثم لتخبرن بالذي عملتم في الدنيا ، وذلك على الله يسير هين.
” فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير “
فآمنوا بالله ورسوله – أيها المشركون – واهتدوا بالقرآن الذي أنزله على رسوله ،
والله بما تفعلون خبير لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم ، وهو مجازيكم عليها يوم القيامة.
” يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم “
اذكروا يوم الحشر الذي يحشر الله فيه الأولين والآخرين ، ذلك اليوم الذي تظهر فيه خسارة أهل النار ، لتركهم طاعة الله.
ومن يؤمن بالله ويعمل بطاعته ، يمح عنه ذنوبه ، ويدخله جنات تجري من تحت قصورها الأنهار ، خالدين فيها أبدا ،
ذلك الخلود في الجنات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده.
” والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير “
والذين جحدوا بالله وكذبوا بمعجزاته التي أرسل بها رسله ، أولئك أهل النار ماكثين فيها أبدا ،
وساء المرجع الذي صاروا إليه ، وهو جهنم.
” ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم “
ما أصاب أحدا شيء من البلاء إلا بإذن الله وقضائه وقدره.
ومن يؤمن بالله يهد قلبه للتسليم بأمره والرضا بقضائه.
والله بكل شيء عليم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
إقرأ أيضا: سورة الحديد – تفسير السعدي
” وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين “
وأطيعوا الله أيها الناس وانقادوا إليه فيما أمر به ينهى عنه ، وأطيعوا الرسول صل الله عليه وسلم فيما بلغكم به عن ربه ،
فإن أعرضتم عن طاعة الله ورسوله ، فليس على رسولنا ضرر في إعراضكم ، إنما عليه أن يبلغكم ما أرسل به بلاغا واضح البيان.
” الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون “
الله وحده لا معبود بحق سواه ، وعلى الله فليعتمد المؤمنون بوحدانيته في كل أمورهم.
” يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم “
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، إن من أزواجكم وأولادكم أعداء لكم يصدونكم عن سبيل الله ، ويثبطونكم عن طاعته ،
فكونوا منهم على حذر ، ولا تطيعوهم ، وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم وتعرضوا عنها ،
وتستروها عليهم ، فإن الله غفور رحيم ، يغفر لكم ذنوبكم.
لأنه سبحانه عظيم الغفران واسع الرحمة.
” إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم “
ما أموالكم ولا أولادكم إلا بلاء واختبار لكم والله عنده ثواب عظيم لمن آثر طاعة على طاعة غيره ، وأدى حق الله في ماله.
” فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون “
فابذلوا – أيها المؤمنون – في تقوى الله جهدكم وطاقتكم ، واسمعوا لرسول الله صل الله عليه وسلم سماع تدبر وتفكر ،
وأطيعوا أوامره واجتنبوا نواهيه ، وأنفقوا مما رزقكم الله يكن خيرا لكم.
ومن سلم من البخل ومنع الفضل من المال ، فأولئك هم الظافرون بكل خير ، الفائزون بكل مطلب.
إقرأ أيضا: فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين
” إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم “
إن تنفقوا أموالكم في سبيل الله بإخلاص وطيب نفس ، يضاعف الله ثواب ما أنفقتم ، ويغفر لكم ذنوبكم.
والله شكور لأهل الإنفاق بحسن الجزاء على ما أنفقوا ، حليم لا يعجل بالعقوبة على من عصاه.
” عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم “
وهو سبحانه العالم بكل ما غاب وما حضر ، العزيز الذي لا يغالب ، الحكيم في أقواله وأفعاله.