سورة الفيل – تفسير السعدي
” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل “
أَلم تعلم يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، أبرهة الحبشي وجيشه الذين أرادوا تدمير الكعبة المباركة.
” ألم يجعل كيدهم في تضليل “
أَلم يجعل ما دبروه من شر في إبطال وتضييع.
” وأرسل عليهم طيرا أبابيل “
وبعث عليهم طيرا في جماعات متتابعة
” ترميهم بحجارة من سجيل “
تقذفهم بحجارة من طين متحجر
” فجعلهم كعصف مأكول “
فجعلهم به محطمين كأوراق الزرع اليابسة التي أكلتها البهائم ثم رمت بها.
قصة أصحاب الفيل
كانت اليمن تابعة للنجاشي ملك الحبشة ، وقام والي اليمن ( أبرهة ) ببناء كنيسة عظيمة ، وأراد أن يغيّر وجهة حجّ العرب ،
فيجعلهم يحجّون إلى هذه الكنيسة بدلا من بيت الله الحرام ، وذلك قبل بعثة النبي محمد صل الله عليه وسلم.
فقد كانت العرب تحج إلى بيت الله الحرام على ملة إبراهيم عليه السلام.
فكتب أبرهة إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ،
ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب ، إلا أن العرب أبوا ذلك.
وقيل إن رجلا من العرب ذهب وأحدث في الكنيسة تحقيرا لها ، وإن بنو كنانة قتلوا رسول أبرهة الذي جاء يطلب منهم الحج للكنيسة.
فعزم أبرهة على هدم الكعبة ، وجهّز جيشا جرارا ، ووضع في مقدمته فيلا مشهورا عندهم.
فعزمت العرب على قتال أبرهة ، وكان أول من خرج للقاءه رجل من أشراف اليمن دعا قومه فأجابوه ،
والتحموا بجيش أبرهة ، لكنه هُزِم وسيق أسيرا إلى أبرهة.
إقرأ أيضا: سورة المزمل – تفسير السعدي
ثم وصل أبرهة ورجاله إلى الطائف ، فقال قوم من الطائف لأبرهة إن الكعبة موجودة في مكة حتى لا يهدم لهم بيت اللات الذي بنوه في الطائف ،
وأرسلوا مع الجيش رجلا منهم ليدلّهم على الكعبة.
أرسل أبرهة كتيبة من جنده ، ساقت له أموال قريش وغيرها من القبائل ،
وكان من بين هذه الأموال مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، كبير قريش وسيّدها.
ثم انطلق عبد المطلب إلى أبرهة ، ثم قال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ،
فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مئتي بعير أصابها لي.
فلما قال ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ولا تكلمني فيه.
قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رب سيمنعه ، فاستكبر أبرهة وقال : ما كان ليمتنع مني. قال : أنت وذاك !
فردّ أبرهة على عبد المطلب إبله ، ثم عاد عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم بما حدث ،
وأمرهم بالخروج من مكة والبقاء في الجبال المحيطة بها.
ثم توجه هو ورجال من قريش إلى للكعبة وأمسكوا حلقة بابها ، وقاموا يدعون الله ويستنصرونه ،
ثمّ ذهب هو ومن معه إلى الجبل.
ثم أمر أبرهة جيشه والفيل في مقدمته بدخول مكة ، إلا أن الفيل برك ولم يتحرك.
فضربوه ووخزوه ، لكنه لم يقم من مكانه ، فوجّهوه ناحية اليمن ، فقام يهرول.
ثم وجّهوه ناحية الشام ، فتوجّه ، وثم وجّهوه جهة الشرق ، فتحرّك.
فوجّهوه إلى مكة فَبَرَك ، ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده ، فأرسل عليهم جماعات من الطير ،
مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك.
فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به يتساقط لحمه قطعا صغيرة.