سورة الملك – تفسير السعدي
” تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير “
تعالى الله وتعاظم عما سواه ذاتا وصفات وفعلا ، وتكاثر خيره وبره على جميع خلقه ، الذي بيده ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما ،
نافذ فيهما أمره وقضاؤه ، وهو على كل شيء قدير.
ويستفاد من إضافة اليد إلى الله تعالى ثبوت صفة ذات له سبحانه.
” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور “
الذي خلق الموت والحياة ليختبركم – أيها الناس – : أيكم خير عملا وأخلصه؟
وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء ، الغفور لمن تاب من عباده.
وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات ، وزجر عن اقتراف المعاصي.
” الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور “
الذي خلق سبع سموات متوافقة على سنة واحدة ، بعضها فوق بعض ، ما ترى في خلق الرحمن – أيها الناظر – من اختلاف ولا تباين ،
فأعد النظر إلى السماء : هل ترى فيها من شقوق أو صدوع؟
” ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير “
ثم أعد النظر مرة بعد مرة ، يرجع إليك البصر ذليلا صاغرا عن أن يرى نقصا ، وهر متعب كليل.
” ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير “
ولقد زينا السماء القريبة التي تراها العيون بنجوم عظيمة مضيئة ، وجعلناها شهبا محرقة لمسترقي السمع من الشياطين ،
وأعتدنا لهم في الآخرة عذاب النار الموقدة يقاسون حرها.
” وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير “
وللكافرين بخالقهم عذاب جهنم ، يساء المرجع لهم جهنم.
” إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور “
إذا طرح هؤلاء الكافرون في جهنم سمعوا لها صوتا شديدا منكرا ، هي تغلي غليانا شديدا.
إقرأ أيضا: سورة الحجرات – تفسير السعدي
” تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير “
تكاد جهنم تتمزق من شدة غضبها على الكفار ، كلما طرح فيها جماعة من الناس سألهم الموكلين بأمرها على سبيل التوبيخ :
ألم يأتكم في الدنيا رسول يحذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟
” قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير “
أجابوهم قائلين ، بلى قد جاءنا رسول من عند الله وحذرنا ، فكتبناه ، وقلنا فيما جاء به من الآيات :
ما نزل الله على أحد من البشر شيئا ، ما أنتم أيها الرسل إلا في ذهاب بعيد عن الحق.
” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير “
وقالوا معترفين : لو كنا نسمع سماع من يطلب الحق ، أو نفكر فيما تدعى إليه ، ما كنا في عداد أهل النار.
” فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير “
فاعترفوا بتكذيبهم وكفرهم الذي استحقوا به عذاب النار ، فبعدا لأهل النار عن رحمة الله.
” إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير “
إن الذين يخافون ربهم ، فيعبدونه ، ولا يعصونه وهم غائبون عن أعين الناس ،
ويخشون العذاب في الأخرة قبل معاينته ،
لهم عفو من الله عن ذنوبهم ، وثواب عظيم وهو الجنة.
” وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور “
وأخفوا قولكم – أيها المشركون – في الدين والرسول أو أعلنوه ، فهما عند الله سواء ،
إنه سبحانه عليم بمضمرات الصدور ، فكيف تخفى عليه أقوالكم وأعمالكم؟
” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير “
ألا يعلم – سبحانه وهو الخالق – خلقه وشؤونهم؟ وهو اللطيف بعباه ، الخبير بهم وبأعمالهم.
إقرأ أيضا: سورة الحديد – تفسير السعدي
” هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور “
الله وحده هو الذي جعل لكم الأرض سهلة ممهدة تستقرون عليها ، فامشوا في نواحيها وجوانبها ،
وكلوا من رزق الله الذي يخرجه لكم منها ، وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والجزاء.
وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب ، وفيها دلالة على وحدانية الله وقدرته ، والتذكير بنعمه ، والتحذير من الركون إلى الدنيا.
” أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور “
هل أمنتم يا كفار ” مكة ” الله الذي في السماء أن يخسف بكم الأرض ، فإذا هي تضطرب بكم حتى تهلكوا؟
” أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير “
هل أمنتم الله الذي في السماء أن يرسل عليكم ريحا ترجمكم بالحجارة الصغيرة ، فستعلمون – أيها الكافرون –
كيف تحذيري لكم إذا عاينتم العذاب؟ ولا ينفعكم العلم حين ذلك.
وفي الآية إثبات العلو لله تعالى ، كما يليق بجلاله سبحانه.
” ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير “
ولقد كذب الذين كانوا قبل كفار ” مكة ” كقوم – نوح وعاد رسلهم ، فكيف كان إنكاري عليهم ،
وتغييري ما بهم من نعمة لإنزال العذاب بهم وإهلاكهم؟
” أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير “
أغفل هؤلاء الكافرون ، ولم ينظروا إلى الطير فوقهم ، باسطات أجنحتها عند طيرانها في الهواء ، ويضممنها إلى جنوبها أحيانا؟
ما يحفظها من الوقوع عند ذلك إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير لا ترى في خلقه نقص ولا تفاوت.
” أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور “
بل من هذا الذي هو في زعمكم – أيها الكافرون حزب لكم ينصركم من غير الرحمن ، إن أراد بكم سوءا؟
ما الكافرون في زعمهم هذا إلا في خداع وضلال من الشيطان.
إقرأ أيضا: إدعوا لأولادكم في هذه الأيام المباركة
” أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور “
بل من هذا الرازق المزعوم الذي يرزقكم إن أمسك الله رزقه ومنعه عنكم؟
بل استمر الكافرون في طغيانهم وضلالهم في معاندة واستكبار ونفور عن الحق ، لا يسمعون له ، ولا يتبعونه.
” أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم “
أفمن يمشي منكسا على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب ، أشد استقامة على الطريق وأهدى ،
أم من يمشي مستويا منتصب القمة سالما على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟ وهذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن.
” قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون “
قل لهم – يا محمد – : الله هو الذي أوجدكم من العدم ، وجعل لكم السمع لتسمعوا به ، والأبصار لتبصروا بها ،
والقلوب لتعقلوا بها ، قليلا – أيها الكافرون – ما تؤدون شكر هذه النعم لربكم الذي أنعم بها عليكم.
” قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون “
قل لهم : الله هو الذي خلقكم ونشركم في الأرض ، إليه – تجمعون بعد هذا التفرق للحسب والجزاء.
” ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين “
ويقول الكافرون : متى يتحقق هذا الوعد بالحشر يا محمد؟ أخبرونا بزمانه أيها المؤمنون ، إن كنتم صادقين فيما تدعون.
” قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين “
قل – يا محمد – لهؤلاء : إن العلم بوقت قيام الساعة اختص الله به ،
إنما أنا نذير لكم أخوفكم عاقبة كفركم , وأبين لكم ما أمرني الله ببيانه غاية البيان.
” فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون “
فلما رأى الكفار عذاب الله قريبا منهم وعاينوه ، ظهرت الذلة والكآبة على وجوههم ،
وقيل توبيخا لهم : هذا الذي كنتم تطلبون تعجيله في الدنيا.
إقرأ أيضا: بلغوا عني ولو آية
” قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم “
قل – يا محمد – لهؤلاء الكافرين : أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين كما تتمنون ، أو رحمنا فأخر آجالنا ،
وعافانا من عذابه ، فمن هذا الذي يحميكم ، ويمنعكم من عذاب أليم موجع؟
” قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين “
قل : الله هو الرحمن صدقنا به ، وأطعناه ، وعليه وحده اعتمدنا في كل أمورنا ،
فتعلمون – أيها الكافرون – إذا نزل العذاب : أي الفريقين منا ومنكم في ذهاب بعيد عن الحق؟
” قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين “
قل – يا محمد – لهؤلاء المشركين : أخبروني إن صار ماؤكم الذي تشربون منه ذاهبا في الأرض لا تصلون إليه بوسيلة ،
فمن غير الله يجيئكم بماء جار على وجه الأرض ظاهر للعيون؟