سيئات جارية!
روى ابن سعد في الطبقات ، وابن أبي شيبة في المصنف ، والبيهقي في شعب الإيمان :
أنه كان في بني إسرائيل رجل قد قرأ الكتب ، وإنه طلب بقراءته وعلمه الشرف في الدنيا.
وأنه لبث كذلك حتى تقدم به العمر ، فبينما هو ذات ليلة نائم في فراشه ، متفكر في نفسه ،
قال : هَبْ هؤلاء الناس لا يعلمون ما ابتدعت ، أليسَ اللهُ عالماً به؟
وقد إقترب أجلي ، فلو أني تبت! فتاب ، وجعل في رقبته سلسلة ، ثم أوثقها إلى سارية من سواري المسجد ،
ثم قال : لا أبرح حتى يرى الله مني توبة أو أموت في مكاني هذا؟
فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائهم بشأنه : إنك لو كنتَ أصبتَ ذنبا فيما بيني وبينك تبت عليكَ بالغاً ما بلغ ،
ولكن كيف بمن أضللت ، فأدخلتهم في جهنم ، فإني لا أتوب عليكَ؟!
هذه القصة لا تُضرَبُ مثالاً لمن أراد التوبة مهما كان ذنبه عظيما ، فنقلل رحمة الله في قلبه ، ونُعظِّم له ذنبه في عينيه ،
الأصل أن يطمع العاصي برحمة الله ، وأن التوبة الصادقة تقبل بكرم الله مهما كان الذنب كبيرا ،
وأن الله تعالى يُحِبُّ عودة عبده المسيء إليه كما يحب أهل البيت عودة غائبهم إليهم ، ولله المثل الأعلى!
وإنما تضرب هذه القصة ردعا لأن يكون الإنسان باب معصية للآخرين يلجون منه ، ويبتعدون عن رضوان ربهم!
تضرب هذه القصة لكل من لبس على الناس دينهم لأجل أن يأكل لعاعة من الدنيا ، ففعلوا الحرام بعد أخبرهم بجوازه ،
وأكلوا الربا بعد أن أخبرهم بحلَّته ، وخلعن الحجابَ بعد أن أخبرهُنَّ أن المسألة فيها نظر!
تُضربُ هذه القصة لكل كاتب ، ومفكر ، ومثقّف ، عملَ طبَّالاً عند الباطل ، فاقتدى الناس به ، فأهلك نفسه وأهلكهم معه!
تُضربُ هذه القصة لبائع الخمر الذي يسر على الناس شربه ، والزاني الذي زيَّن للناس الوقوع فيه ،
وللراقصة في مواقع التواصل تبرز مفاتنها ، تحسبُ أن الأمر حده أن يراه الشباب ،
وتحصل هي على الإعجابات ولا تدري ما فعلتْ بدينهم ، ولا ما أهلكت من صبرهم على الحرام!
إقرأ أيضا: لا يوجد مستحيل في الحياة الدنيا ولا الآخرة
تُضربُ هذه القصة لمن رفض أن تلبس زوجته حجابا ، ولمن قصدَ بيتا خاطبا فاشترط على المخطوبة أن تخلع حجابها!
لو جاء الإنسان بألف ذنب بينه وبين الله لرُجيَ له العفو ، أما من سهّلَ للناس الوقوع في الحرام ، وشجَّعهم عليه ،
وصدهم عن الحق صدا ، وحملهم على الباطل حملا ، فهذا إبليس من الأباليس ،
فذنوب هؤلاء جميعاً في رقبته ، وإن المرء بالكاد يحمل ذنوبه حتى يحمل ذنوب الناس!