صاحب النقب
كان مسلمة بن عبد الملك على رأس جيش للمسلمين يحاصرون قلعة عظيمة للروم ،
ولكن القلعة إستعصت على جيش المسلمين لارتفاع أسوارها ولإغلاق جميع المنافذ إليها.
الأمر الذي ساعد جنود الروم ، فأخذوا يقذفون جيش المسلمين من أعلاها ، فازداد تعب وانهاك جنود المسلمين.
وفي الليل قام أحد جنود المسلمين بفكرة عظيمة ،
إذ أنه تخفى بمفرده إلى أن وصل سور القلعة وظل ينقب فيه وينقب حتى إستطاع أن يُحدث به نقبا.
ثم رجع دون أن يخبر أحدا.
وعند الغد تأهب المسلمون للقتال كعادتهم ، فدخل هذا البطل من النقب ، وقام بفتح الباب فتدافع المسلمون وتسلقوا أسوار القلعة ،
وما هي إلا لحظات حتى سمع الروم أصوات تكبيرات المسلمين على أسوار قلعتهم وداخل ساحتها فتحقق لهم النصر.
وبعد المعركة جمع القائد مسلمة بن عبد الملك الجيش ، ونادى بأعلى صوته :
من أحدث النقب في باب القلعة فليخرج لنكافئه.
فلم يخرج أحد.
فعاد وقالها مرة أخرى : من أحدث النقب فليخرج.
فلم يخرج أحد ، ثم وقف من الغد وأعاد ما قاله بالأمس ، فلم يخرج أحد.
وفي اليوم الثالث ، وقف وقال :
أقسمت على من أحدث النقب أن يأتيني أي وقت يشاء من ليل أو نهار.
إقرأ أيضا: كان هناك شيخ يعلم تلاميذه العقيدة
وعند حلول الليل والقائد يجلس في خيمته ، دخل عليه رجل ملثم ، وقال :
إن صاحب النقب يريد أن يبر قسم أميره ولكن لديه ثلاثة شروط حتى يلبي الطلب.
فقال مسلمة : وماهي؟!
قال الرجل :
أن لا تسأل عن إسمه.
ولا أن يكشف عن وجهه.
ولا أن تأمر له بعطاء.
فقال مسلمة : له ما طلب.
عندها قال الرجل : أنا صاحب النقب.
ثم عاد أدراجه مسرعًا واختفى بين خيام الجيش.
فوقف مسلمة والدموع تملأ عينيه فقال :
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
فكان مسلمة بعد ذلك يقول في سجوده :
اللهم احشرني مع صاحب النقب!
إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا
فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خرابُ
اجعلوا بينكم وبين الله خبيئة عملٍ صالح تنفعكم يوم لا ينفع مال ولا بنون.