صحوة إمرأة الجزء الثاني
لم تستطع الطبيبة أن تعرف جنس المولود فلم يكن منهم سوى انتظار يوم الولادة الذي كان أسوأ يوم بحياة مها ،
فلم تكف أم نادر عن الصراخ قائلة : لقد ولدتي أنثى وسوداء؟! كان يجب أن أعلم أنك كأمك تجلبين المصائب.
لكن عندما وصلت أمها أزاحت شبح الحزن وأضافت الضحكة بصحبة قمر التي لم يقف لسانها لحظة وهي تقول لنادر مازحة :
وكأنها نسخة منك؟! أعطست فأنجبت أختي نادر الصغير!
فأشعلَتْ نار الغيظ بقلب أمه عندما سمعتها فردت عليها محتدة : لكن إبني جميل فهو ذكر.
مع محاولات قمر بالشرح لها أن الأنثى بوقتنا الحالي كالذكر ، كانتا أذنيها ترتديان وشاح الصمم ،
وبعد مرور الوقت عندما رأى نادر أن أمه دائمة العبوس ، أصبح يشعر بالضيق من مها ،
وتدريجياً أصبح يساند أمه بافتعال المشاكل معها.
احترقت سنة من حياة مها وهي تفتح عينيها على مشكلة وتغلقهما على أخرى ،
لحين بان حملها بذكر فارتسمت البسمة على وجه أم نادر وباتت تخاف عليها من الهواء أن يزعجها.
وعندما أتى يوم الولادة ، أقامت احتفالاً دعت إليه الأقارب وأظهرت كرماً لم يعهدها أحد عليها قط ،
فقد قدمت الطعام والشراب والفاكهة والحلويات وكأنها هي التي رزقت بالمولود.
عاشت مها سنتين وكأنها ملكة يرعاها زوجها وأمه نفسياً وجسدياً ،
لحين أصيب إبنها بالسرطان فمنذ ذلك اليوم المشؤوم بدأت أم نادر تصب حمم غضبها على مها ،
وتتهمها أنها السبب بذلك حيث أنها لم تكف عن تناول الطعام الجاهز والمعلبات والمشروبات الغازية بأشهر حملها به ؛
فرأت أن الطعام كان سبباً بالسرطان لابن إبنها ووسوست بذلك لإبنها.
بعد أن انهارت آماله التي علقها على وحيده وبتحريض من أمه بات صباح مها ومساءها صراخ منه على أتفه الأمور ،
ولا يتوقف عن أن ينهرها ببضع كلمات وينفض الغبار عن جسدها ببضع ضربات ولكمات.
إقرأ أيضا: حكاية الأميرة ذهبية الشعر الجزء الأول
لحين انفجرت وباتت تفتح الباب وتذهب غاضبة لمنزل أمها دون أن تعلمه ، فتضطر أمها في كل مرة أن تعيدها لزوجها خانعة الرأس ،
لحين جاءها اليوم الذي طالما خشيته ، فقد ازدادت حالة إبنها سوءاً ونقلوه إلى المشفى ففارق الحياة بعد يومين.
عاشت أسابيع لم تحصها حبيسة الاكتئاب يحاول عقلها استيعاب أن قطعة من قلبها دفنت تحت التراب ،
وبكل يوم يمضي كانت تقول لها حماتها بضيق : استعيشي اليوم أيضاً بقناعك الحزين؟ لقد ارتاح من عذابه وارتحنا.
بدأ نادر وأمه يحضانها على الحمل مرة أخرى متجاهلين إبنتهم التي زينت المنزل بذكائها وضحكتها ، فأصبح جل اهتمامهم ذكر آخر ،
فلم تعارضهم خشية أن ينقلبا عليها كالسابق.
لكن عندما أنجبت فتاة تلو الأخرى بصحة تامة تمنت أم ماهر لو تصاب إحداهما بسرطان كي تفسح مجالاً لذكر آخر ،
فلم يعد يسمح الوضع المادي لهم بولد آخر.
مضت السنوات وكبرت الفتاتان ليتزينان بالجمال كطفولة أمهما.
بعد كل مشكلة كانت تذهب غاضبة لمنزل أمها وتترك إبنتها الكبرى عائشة في المنزل كي تعتني بأخواتها.
وبكل مرة تعود إلى المنزل كانت تُفرّغ غضبها وضيقها من زوجها وأمه بابنتها الكبرى التي كانت تكلمها باشمئزاز كجدتها ،
مما جعل أم نادر تتعاطف معها وتحبها بسبب معاملة مها لها.
مضت السنوات ولم تحتمل مها تلك الحياة المليئة بالخلافات والمشاكل ،
فرغبت بالتنفس للعمل بمحل لتجميل السيدات ومع رفض زوجها القاطع ،
ذهبت لمنزل أمها أياماً دون أن تعود من تلقاء نفسها بعد يومين كما اعتادوا عليها ؛
مما جعل أم نادر تقرر أن تذهب بجلالتها كي تعيدها خشية أن يجبر نادر إبنته عائشة على ترك الدراسة للاعتناء بأخواتها ،
فقد حلمت أن يجعلها تفوقها طبيبة في المستقبل لتتباهى بها فهي على اسمها الذي أعطاها الذكاء.
إقرأ أيضا: صحوة إمرأة الجزء الأخير
دخلت أم نادر بقناع الطيبة ومحاولة ترميم الذي انهدم بين إبنها وزوجته ، فاستقبلتها مها والبركان يشتعل بداخلها ،
فاستغلت انكسارها الذي لم يعتد أحد عليه وطلبت منها منزلاً مستقلاً عنها وعن ابنها لتتربع ملكة وحيدة في منزلها مع بناتها.
فلم يكن من الثعلبة القديرة سوى قبول طلبها فقد كانت تفكر أن عليها تزويج إبنها الصغير ، فأصابت بذلك عصفورين بحجر واحد.
يتبع ..